معصوم ، وإن كان المخطئ مأجورا كالمصيب ، إنّما الكلام في أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هل كان مجتهدا في بيان الحكم الشرعي كالآخرين يخطئ ويصيب ، أو أنّ علمه بعقائد الدين وأحكامه بلغ إلى مستوى أغناه عن الاجتهاد؟
والإمعان فيما سنتلوه عليك من النصوص يدعم النظر الثاني :
أ. قال سبحانه : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً). (١)
وقد ذكر المفسّرون أسباب نزول متعدّدة لهذه الآية تجمعها أنّه رفعت إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم واقعة كان الحق فيها غير واضح ، فأراه الله سبحانه حقيقة الواقع الذي تخاصم فيها المتحاكمان وعلّله بقوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ).
ففضل الله ورحمته صدّاه عن الحكم بالباطل ، وهل كان فضله سبحانه ورحمته مختصين بهذه الواقعة ، أو أنّهما خيّما عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم طيلة عمره الشريف؟ مقتضى قوله سبحانه في ذيل الآية : (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) هو انّه حظي بهما طيلة عمره الشريف. فهو في كلّ الحوادث والوقائع يحكم بمرّ الحق ونفس الواقع مؤيدا من قبل الله ، ومن اختصّ بهذه المنزلة الكبيرة فقد استغنى عن الاجتهاد المصيب تارة والمخطئ أخرى.
__________________
(١) النساء : ١١٣.