تشريع الجهاد بقوله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا)(١) كما تعلّل القصاص بقوله : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(٢).
إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على ذلك بوضوح ، ومع أنّ المعروف عن الإمام الأشعري هو عدم تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد بزعم انّ القول بذلك يستلزم تضييقا للإرادة الإلهية ، ولكن المحقّقين من أهل السنة على خلاف ذلك ، منهم الشاطبي ، قال في موافقاته :
وقد ثبت أنّ الشريعة موضوعة لتحقيق مصالح الناس عاجلا أم آجلا ، إمّا بجلب النفع لهم ، أو لدفع الضرر والفساد عنهم ، كما دلّ عليه الاستقراء وتتبع مراد الأحكام. (٣)
وعلى ضوء ذلك فالمصالح المستكشفة عبر الزمان إذا كانت مصالح عامة أو مفاسد كذلك ولم يرد في موردها أمر ولا نهي ، فللفقيه أن يستكشف من المصلحة الملزمة أو المفسدة كون الشيء واجبا أم حراما وذلك ، كتعاطي المخدرات في مورد المفاسد ، وتزريق الأمصال فيما إذا انتشر الداء في المجتمع الذي لا ينقذه إلّا التزريق ، ففي هذه الموارد التي ليس للإسلام فيها حكم إلزامي يمكن أن يستكشف الوجوب أو الحرمة ببركة إدراك العقل للمصلحة النوعية أو المفسدة كذلك.
__________________
(١) الحج : ٣٩.
(٢) البقرة : ١٧٩.
(٣) الموافقات : ٢ / ٦.