ويشمل الاجتهاد أيضا ، النظر في تعرف حكم الحادثة عن طريق القواعد العامة وروح التشريع ، التي عرفت من جزئيات الكتاب وتعرفات الرسول ، وأخذت في نظر الشريعة مكانة النصوص القطعية التي يرجع إليها في تعرف الحكم للحوادث الجديدة.
وهذا النوع هو المعروف بالاجتهاد عن طريق الرأي وتقدير المصالح. وقد رفع الإسلام بهذا الوضع جماعة المسلمين عن أن يخضعوا في أحكامهم وتصرفاتهم لغير الله ، ومنحهم حق التفكير والنظر والترجيح واختيار الأصلح في دائرة ما رسمه من الأصول التشريعية ، فلم يترك العقل وراء الأهواء والرغبات ، ولم يقيده في كلّ شيء بمنصوص قد لا يتفق مع ما يجدّ من شئون الحياة ، كما لم يلزم أهل أي عصر باجتهاد أهل عصر سابق دفعتهم اعتبارات خاصة إلى اختيار ما اختاروا. (١)
ما ذكره حقّ ليس وراءه شيء إلّا أنّي لا أوافقه في قوله : «ولم يقيده في كلّ شيء بمنصوص قد لا يتفق مع ما يجدّ من شئون الحياة» فإنّه هفوة من الأستاذ ، إذ أي أصل وحكم شرعي منصوص لا يتفق مع ما يجدّ من شئون الحياة؟ وليس ما ذكره إلّا من قبيل تقديم المصلحة على النص ، وهو تشريع محرم ، وتقدّم على الله ورسوله ، قال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ)(٢).
ومن هنا يفترض بكلّ مسلم أن يتجنّب هذا النوع من الاستصلاح.
__________________
(١) رسالة الإسلام ، السنة الرابعة ، العدد الأوّل ، ص ٥.
(٢) الحجرات : ١.