جدير بالذكر أنّ إعمال الرأي فيما فيه نصّ من كتاب أو سنّة ، أمر خاطئ ، ولو صحّ إعماله فإنّما هو فيما لا نصّ فيه ، ومع ذلك حاول بعضهم تبريره بتغيّر الأحكام بالمصالح والمفاسد ، لا سيما ابن قيم الجوزية ، الذي قال : لمّا رأى الخليفة الثاني انّ مفسدة تتابع النصّ في إيقاع الطلاق لا تندفع إلّا بإمضائها على الناس ، ورأى مصلحة الإمضاء أقوى من مفسدة الإيقاع ، أمضى عمل الناس ، وجعل الطلاق ثلاثا ، ثلاثا. (١)
يلاحظ عليه : أنّ إبطال الشريعة أمر محرّم لا يستباح بأي عنوان ، فلا يصحّ لنا تغيير الشريعة بالمعايير الاجتماعية من الصلاح والفساد ، وأمّا مفسدة تتابع النص في إيقاع الطلاق الثلاث فيجب أن تدفع عن طريق آخر ، لا عن طريق إمضاء ما ليس بمشروع ، وجعله مشروعا.
والعجب انّ ابن القيم التفت إلى ذلك ، وقال : كان أسهل من ذلك (تصويب الطلقات ثلاثا) أن يمنع الناس من إيقاع الثلاث ، ويحرّمه عليهم ، ويعاقب بالضرب والتأديب من فعله لئلّا يقع المحذور الذي يترتّب عليه ، ثمّ نقل عن عمر بن الخطاب ندامته على التصويب ، قائلا : قال الخليفة الثاني : ما ندمت على شيء مثل ندامتي على ثلاث. (٢)
وهنا كلمة للشيخ محمد شلتوت شيخ الأزهر حول عدّ الاجتهاد من مصادر التشريع حيث قال فيها :
__________________
(١) أعلام الموقعين : ٣ / ٤٨.
(٢) أعلام الموقعين : ٣ / ٣٦ ، وأشار إليه في كتابه الآخر إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان : ١ / ٣٣٦.