٢. السيد محمد أمين أفندي الشهير ب «ابن عابدين» (١) ، قال ما نصّه :
اعلم أنّ المسائل الفقهية إمّا أن تكون ثابتة بصريح النص ، وإمّا أن تكون ثابتة بضرب اجتهاد ورأي ، وكثيرا منها ما يبيّنه المجتهد على ما كان في عرف زمانه بحيث لو كان في زمان العرف الحادث لقال بخلاف ما قاله أوّلا ، ولهذا قالوا في شروط الاجتهاد انّه لا بدّ فيه من معرفة عادات الناس ، فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغيّر عرف أهله ، أو لحدوث ضرورة ، أو فساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أوّلا ، للزم منه المشقة والضرر بالناس ، ولخالف قواعد الشريعة المبنيّة على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد لبقاء العالم على أتم نظام وأحسن أحكام ، ولهذا ترى مشايخ المذهب خالفوا ما نصّ عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه لعلمهم بأنّه لو كان في زمنهم لقال بما قالوا به أخذا في قواعد مذهبه.
ثمّ إنّ ابن عابدين ذكر أمثلة كثيرة لما ذكره من الكبرى تستغرق عدّة صحائف. (٢) ولنذكر بعض الأمثلة :
أ. افتاؤهم بجواز الاستئجار على تعليم القرآن ونحوه لانقطاع عطايا المعلّمين التي كانت في الصدر الأوّل ، ولو اشتغل المعلّمون بالتعليم بلا أجرة يلزم ضياعهم وضياع عيالهم ، ولو اشتغلوا بالاكتساب في حرفة وصناعة ،
__________________
(١) هو محمد أمين الدمشقي ، فقيه الديار الشامية وإمام الحنفية في عصره ، ولد عام ١١٩٨ ه وتوفي عام ١٢٥٢ ه ، له من الآثار «مجموعة رسائل» مطبوعة.
(٢) انظر رسائل ابن عابدين : ٢ / ١٢٣ ـ ١٤٥.