الواقعيين ، ولا يحكم الحاكم في المقام إلّا بعد دقة وإمعان ودراسة للظروف الزمانية والمكانية ومشاورة العقلاء والخبراء.
وبعبارة أخرى : إذا وقع التزاحم بين الأحكام الأوّليّة بعضها مع بعض ، فيقدّم بعضها على بعض في ظلّ هذه العناوين الثانويّة ، (١) ويقوم به الحاكم الإسلاميّ بفضل الولاية المعطاة له ، فتصير هذه العناوين مفاتيح بيد الحاكم ، يرتفع بها التزاحم والتنافي ، فمعنى مدخليّة الزّمان والمكان في حكم الحاكم عبارة عن لزوم رعاية المصالح العامّة الإسلامية في زمانه ومكانه ، حتّى يتّضح أنّ المقام صغرى لأي كبرى من الكبريات ، وأيّ حكم من الأحكام الواقعية ، فيكون حكمه بتقديم إحدى الكبريين شكلا إجرائيّا لجريان الأحكام الواقعية ومراعاة لحفظ الأهمّ وتخطيطا لحفظ النّظام وعدم اختلاله.
وبذلك يظهر أنّ حكم الحاكم الإسلاميّ يتمتّع بميزتين :
الأولى : إنّ حكمه بتقديم إحدى الكبريين وحكمه على وفقها ، ليس حكما مستنبطا من الكتاب والسنّة مباشرة وإن كان أساس الولاية وأصلها مستنبطا ومستخرجا منهما ، إلّا أنّ الحاكم لمّا اعتلى منصّة الحكم ووقف على أنّ المقام من صغريات ذلك الحكم الواقعيّ دون الآخر للمقاييس التي عرفتها ، يصير حكمه حكوميّا وولائيا في طول الأحكام الأوّليّة والثّانويّة
__________________
(١) العناوين الثانوية عبارة عن : ١ ، الضرورة والاضطرار. ٢. الضرر والضرار. ٣. العسر والحرج. ٤. الأهم فالأهم. ٥. التقيّة. ٦. الذرائع للواجبات والمحرمات. ٧. المصالح العامّة للمسلمين. وهذه العناوين أدوات بيد الحاكم ، يحل بها مشكلة التزاحم بين الأحكام الواقعية والأزمات الاجتماعية.