يحصل بحكمة المتكلّم ، وعصمته ، والحكم بكونه تعالى حكيما مبني على العلم بأنّه تعالى عالم بقبح القبيح ، وبأنّه غني عنه. وإنّما يتمشّى ذلك على قواعد المعتزلة.
واعتذر الأشاعرة بأنّ جائز الوقوع عقلا قد يعلم عدم وقوعه ، كانقلاب ماء البحر دما ، كذا هنا يجوز من الله تعالى كلّ شيء لكنّه خلق فينا علما بديهيّا بأنّه لا يعني بهذه الألفاظ إلّا ظواهرها.
وليس بجيد ، لتعذّر العلم مع حصول التجويز للنقيض.
الثالث : أن يعرف تجرّد اللفظ أو اقترانه بقرينة إن كانت معه ، وإلّا لجاز فيما حكم بتجرّده أن يكون معه قرينة تصرفه عن ظاهره.
والقرينة إمّا عقلية يظهر بها ما يجوز إرادته من اللفظ ممّا لا يجوز. وإمّا سمعية وهي الأدلة المقتضية للتخصيص. وإمّا في الأعيان أو الأزمان كالنسخ ، أو المقتضية لتعميم الخاص كالقياس عند القائلين به ، وحينئذ يجب أن يعرف شرائطه.
ولمّا كانت الأدلّة السّمعية نقلية ، وجب أن يكون عارفا بالنقل المتواتر والآحاد ، وأن يعرف شرائطهما. ولمّا كانت الأدلّة قد تتعارض ولا يمكن العمل بجميعها ولا إهمالها ولا بالبعض محاباة (١) ، بل لا بدّ من العمل بالراجح منها ، وجب أن يكون عارفا بجهات الترجيح وطرقه.
والضابط ما قاله الغزالي هنا وهو : أنّ مدارك الأحكام أربعة : الكتاب
__________________
(١) في «أ» و «ب» : مجانا ، وفي «ج» : مجابا. والمحاباة أي التساهل والتطوّع بلا مرجّح.