ثمّ احتجّا بأنّه تعالى ملك رحيم كريم ، واستقراء أحكام الشرع يدلّ على أنّ الغالب على الشرع التخفيف والمسامحة ، حتى لو احتاج إلى تعب في طلب الماء أسقط عنه فرض الوضوء ، فكيف يليق بكرمه ورحمته معاقبة من أفنى طول عمره في البحث والفكر؟!
وفي الأوّل نظر ، لأنّ المطلوب من المسائل الأصولية العلم ، فلو لم ينصب دليلا عليه ويمكّن منه ، لزم نسبته تعالى إلى القبيح ، وهو تكليف ما لا يطاق وهو محال ، ومنع تعسّر الوصول إلى العلم ؛ ونحن لا نوجب في اللحظة الواحدة معرفة ما عجز عنه الخلق في المدد المتطاولة ، بل نوجب الفكر في الأدلة وهي ظاهرة واضحة ، ولا يشترط معرفة الأدلّة على كلّ مسألة من فروع الأصول ، ولا الجواب عن الشبهات ، والإجماع على العقاب ثابت ، ولا عبرة بنزاعهما في خرقه.
وفي الثاني نظر ، لأنّ قتله على بقاء الكفر فيستدعي العقاب ، ونمنع المبالغة في الطلب والبحث مع عدم الوصول إلى الحق.
وفي الثالث نظر ، للإجماع على أنّ اسم الكافر لمن خالف الملّة الإسلامية ، سواء كان عن عناد أو لا ، والتغطية هنا ثابتة من حيث إنّه اعتقاد نقيض الحق. واحتجاجهما باطل بما تقدّم من منع عدم الوصول إلى الحقّ مع المبالغة في البحث والنظر ، بل الواجب مع استيفاء النظر والبحث الوصول إلى الحق ؛ وقد تأوّل بعض المعتزلة قول الجاحظ والعنبري بالحمل على المسائل الكلامية المختلف فيها بين المسلمين ، ولا يكفر مخالفها ، كمسألة