وأمّا الثالث ، وهو أنّ عليه دليلا قطعيا فهؤلاء اتّفقوا على أنّ المجتهد مأمور بطلبه لكن اختلفوا في موضعين (١) :
أحدهما : المخطئ هل يستحق الإثم أو لا؟ فذهب بشر المريسي إلى أنّه يستحقّ الإثم ، ونفاه الباقون.
ثانيهما : هل ينقض قضاء القاضي فيه؟ قال الأصمّ : ينقض. وخالف فيه الباقون ، والأقوى في هذه المطالب انّ لله تعالى في كلّ واقعة حكما معينا ، وأنّ عليه دليلا ظاهرا لا قاطعا ، وأنّ المخطئ فيه معذور ، وأنّ قضاء القاضي لا ينقض به.
بيان تعيين الحكم وجوه (٢) :
الأوّل : إذا اعتقد أحد المجتهدين رجحان أمارة الثبوت والآخر رجحان أمارة العدم ، فأحد الاعتقادين خطأ ؛ لأنّ إحدى الأمارتين إن كانت راجحة ، كان اعتقاد رجحانه صوابا واعتقاد رجحان الآخر غير مطابق للمعتقد فيكون خطأ ؛ وإن لم تكن إحداهما راجحة ، كان كلّ من الاعتقادين غير مطابق للمعتقد فلا يكون الاعتقادان مطابقين معا ، بل أحدهما بخلاف المعتقد قطعا ، فيكون أحدهما خطأ ، فلا يكون كلّ مجتهد مصيبا بمعنى كون اعتقاده مطابقا للمعتقد.
ولأنّ الاعتقاد الّذي لا يكون مطابقا للمعتقد جهل ، والجهل بإجماع
__________________
(١) ذكرهما الرازي في المحصول : ٢ / ٥٠٤.
(٢) راجع المحصول : ٢ / ٥٠٤ ـ ٥١١ ؛ الإحكام : ٤ / ١٩١ ـ ١٩٦.