طابق ترتيب الكتاب ، ولا أن يقال للجاهل : اخبر بما شئت فإنّك لا تخبر إلّا بالصدق. وإلّا لزم بطلان الاستدلال بالاحكام على العلم وبطلان الاستدلال بالأخبار عن الغيب على النبوة ؛ فكذا لا يجوز أن يقال له : احكم فإنّك لا تختار إلّا الصواب.
وأمّا الثاني وهو جوازه في القليل فإنّه وإن كان جائزا ، إلّا أنّ القول به خارق للإجماع ، فإنّ كلّ من منع من الكثير منع من القليل ، فالفرق خارج عن الإجماع.
وفيه نظر ، للفرق بين الكتابة المفتقرة إلى تقدّم المعرفة بالصيغة وبين الإخبار المنبئ عن تقدّم غيره ، وكذا فرق بين الإخبار (١) والإخبار المتوقّف على علم المطابقة.
ثانيها. إنّما يحسن القصد إلى فعل علم أو ظنّ كونه حسنا ، فلا بد وأن يتميّز له الحسن عن القبيح قبل الإقدام على الفعل. فإذا لم تتقدّم هذه الأمارة المميّزة كان التكليف باختيار الحسن دون القبيح تكليفا بما لا يطاق.
لا يقال : المميّز موجود وهو قوله : قد علمنا أنّك لا تختار إلّا الحسن.
لأنّا نقول : هذا يقتضي أنّ العلم بالحسن بعد فعله وبعد الفعل يزول التكليف عنه. فالدور لازم لوجوب تقدّم المميز بين الحسن والقبح على الاختيار ، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق.
__________________
(١) في «أ» و «ج» : الاختبار.