وأمّا بالنسبة إلى حفظ العقل ، فلأنّ النفس أصل والعقل تبع ، والمحافظة على الأصل أولى ، وكذا حفظ النسب أولى من المقصود في حفظ العقل ، والمال لكونه عائدا إلى حفظ النفس ، وما يفضي إلى حفظ العقل مقدّم على ما يفضي إلى حفظ المال ، لكونه محلّا للأمانة ومناط التكليف والمقصود بالخطاب للعباد بنفسه من غير واسطة بخلاف المال.
واعلم أنّ الوصف المناسب للحكم قد يكون نوعه مناسبا لنوع الحكم ، وقد يناسب جنسه نوع الحكم ، وقد يناسب نوعه جنس الحكم ، وقد يناسب جنسه جنس الحكم. وقد عرفت ذلك فيما تقدّم ومعلوم تقدّم الأوّل على الثلاثة الأخيرة ، والثاني والثالث كالمتعارضين ، ولا شك في تقدّمهما على الرابع.
ثمّ الجنس إمّا قريب أو بعيد ، والمناسبة المتولّدة من القريب متقدّمة على المتولّدة من البعيد.
ثمّ المناسبة في كلّ واحدة من هذه قد تكون جلية ، وهي الّتي يلتفت الذهن إليها في أوّل سماع الحكم ، كقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا يقضي القاضي وهو غضبان». (١) فإنّ الذهن يلتفت عند سماع هذا الكلام إلى أن الغضب إنّما منع من الحكم ، لكونه مانعا من استيفاء الفكرة.
__________________
(١) صحيح البخاري : ٨ / ١٠٨ ، باب هل يقضي الحاكم وهو غضبان ؛ سنن ابن ماجة : ٢ / ٧٧٦ ، باب لا يحكم وهو غضبان ؛ سنن أبي داود : ٢ / ١٦١ ؛ سنن الترمذي : ٢ / ٣٩٦ ؛ من لا يحضره الفقيه : ٣ / ١١ برقم ٣٢٣٤ ؛ تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٢٦ برقم ٥٤٢.