ويرشدك إلى وجوده في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قول الرسول لأمير المؤمنين عليهالسلام عند ما بعثه إلى اليمن : قال علي عليهالسلام : بعثني رسول الله إلى اليمن ، قلت : يا رسول الله تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء؟ قال : فضرب بيده في صدري وقال : «اللهمّ اهد قلبه وثبّت لسانه» فو الذي نفسي بيده ما شككت في قضاء بين اثنين. (١)
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لمعاذ بن جبل حين وجّهه إلى اليمن : بم تقضي؟ قال : بما في كتاب الله ، قال : فإن لم تجد؟ قال : بما في سنّة رسول الله ، قال : فإن لم تجد؟ قال : اجتهد رأيي ولا آلو جهدا ، فسرّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال : الحمد لله الذي وفّق رسول رسوله بما يرضي رسوله. (٢)
«وبطبيعة الحال ، أنّ الصحابي قد يسمع من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في واقعة ، حكما ويسمع الآخر في مثلها خلافه ، وتكون هناك خصوصية في أحدهما اقتضت تغاير الحكمين وغفل أحدهما عن الخصوصية أو التفت إليها وغفل عن نقلها مع الحديث فيحصل التعارض في الأحاديث ظاهرا ، ولا تنافي واقعا ، ولهذه الأسباب وأضعاف أمثالها ، احتاج حتى نفس الصحابة الذين
__________________
(١) أعلام الورى : ١٣٧ ؛ والبحار : ٢١ / ٣٦١. وشتان بين علمه واجتهاده عليهالسلام وعلم الآخرين واجتهادهم.
(٢) الطبقات الكبرى : ٢ / ٣٤٧ ؛ الاستيعاب ، لابن عبد البر ، في ترجمة «معاذ» واللفظ للثاني. أقول : لو صح الحديث يكون المراد منه باعتبار وروده في أمر القضاء ، هو فصل الخصومة في الأموال والنفوس ، بما يعدها العقلاء عدلا وإنصافا وهذا المراد من قوله : اجتهد رأيي. وعندئذ لا يكون الحديث دليلا على صحة مطلق الرأي حتى المستند إلى القياس والاستحسان وأشباههما التي لا قيمة لها عندنا في عالم الاستنباط.