ولكل زمان : «النصوص الشرعية للأحكام التي وردت في الكتاب والسنّة قليلة إذا ما قيست بمواد القانون في أي شريعة وضعية ، إذ الآيات القرآنية التي تضمّنت اصول الأحكام على ما أحصاها ابن قيم الجوزية لا تعدو مائة وعشرين آية من نيف وستة آلاف آية ، أمّا الأحاديث فخمسمائة من أربعة آلاف حديث ، ولقد أراد الله بذلك أن يهيّئ للناس فرصة الاجتهاد في الفروع دون الأصول ، فجعل النصوص الأصلية لقواعد الشريعة عامة ، دون التعمّق في التفاصيل ليتسع لها عقل من نزل فيهم القرآن وليترك للقوى الإنسانية التي أودعها مخلوقاته ، فرصة العمل والتفكير والتدبير واستنباط الأحكام فيما لا نص فيه من كتاب أو سنّة ، لما يجد ويعرض لهم في حياتهم من مشاكل وأقضية تختلف باختلاف الزمان والمكان ، وهذا هو الاجتهاد وهو أحد مصادر الشريعة المحمدية.
ومشروعية هذا المصدر ثابتة من حديث معاذ بن جبل إذ أنّه لمّا بعثه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى اليمن قال له : «بم تقض يا معاذ؟ قال : بكتاب الله ، قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : فإن لم تجد؟ قال : فبسنّة رسول الله ، قال : وإن لم تجد؟ قال : اجتهد برأيي ، فأقره على ذلك». (١) وما كان يمكن أن ينزل الكتاب والسنّة على غير هذا الإجمال والتعميم ، لأنّ هذه الشريعة إنّما نزلت لكل زمان وكل مكان : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً).
ولو أنّ صاحب الشريعة عني بالتفاصيل والجزئيات لوجب أن يقدر ما
__________________
(١) قد مر المراد من الحديث فلاحظ.