سيكون عليه العالم من نظم مختلفة واختراعات مستحدثة في جميع الأمكنة والأزمنة فيضع لها ولما تفرّع عنها ، من التفاصيل ، ولو أنّه فعل ذلك لما اتسع وقت الرسالة لهذا كلّه ، بل لأعرض الناس عن هذه الدعوة لتعقدها ، ولأنّها تضمّنت أحكاما عن جزئيات ومخترعات لا تقع تحت حسهم ، ويصعب عليهم تصورها ، لأنّها لم تعرف في زمانهم ، ولنضرب لذلك مثلا فقد نزلت في القرآن آية تضمّنت الحكم العام لآداب التلاوة وجرت على نسق مختصر : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(١) وحدث بعد نزولها بنيف وألف وثلاثمائة عام أن اخترع المذياع (الراديو) والتلفزيون ، ولما بدأ بإذاعة آيات الذكر الحكيم به ، بدأ التساءل عن حكم الشرع والدين في ذلك أحلال هو أم حرام؟ وهل تصح إذاعته في منتدى ترتكب فيه الآثام والموبقات وتدار كئوس الخمر؟
لا بدع في أنّ حكم هذه الجزئية لم يرد بنص صريح في الكتاب ، وانّ ذلك ترك للاجتهاد على هدى الحكم العام الوارد بالآية الشريفة ، لا بدع في ذلك ، إذ لو أريد للشريعة أن تتضمّن الأحكام المفصلة لجميع الفروع والجزئيات لوجب أوّلا إفهام الذين نزل عليهم الدين وقت الرسالة ما هو الراديو وما هو التلفزيون ، ولو حاول الرسول ذلك وقال لهم : إنّ مخترعات البشر بإذن الله ستجيء للعالم بعد ألف وثلاثمائة عام بآلة يستطيع بها الإنسان أن يسمع ويرى صورة المحدث وهو على بعد آلاف الفراسخ والأميال ، لما صدّقوه لعدم إمكانهم تصوره ولجادلوه فأكثروا جداله في كنه
__________________
(١) الأعراف : ٢٠٤.