وكذا الأمر لو فسّر الاجتهاد بنفس الاستنباط لا ملكته فإنّه أيضا أمر بين الوجود والعدم لا بين الكلّ والبعض.
يلاحظ عليه بأحد أمرين :
الأوّل : أنّه ملكة بسيطة ذات مراتب متعدّدة ، فهناك مرتبة يمكن بها استنباط المسائل السهلة أو مسائل كتاب واحد كالإرث أو الدماء الثلاثة وهناك مرتبة يمكن بها استنباط المسائل الصعبة المعضلة. فكونها بسيطة لا ينافي أنّها ذات مراتب تختلف شدّة وضعفا.
الثاني : أنّ الاجتهاد ليس ملكة واحدة ، بل هناك ملكات مختلفة ومتعدّدة ، فإنّ ملكة الاستنباط في باب المعاملات غيرها في باب العبادات ، والاستنباط في قسم من مسائلها يبتني على معرفة القواعد الفقهيّة والارتكازات العرفيّة في تلك المجالات من دون حاجة إلى معرفة فنّ الحديث ورجاله وأسناده وكيفيّة الجمع بين متعارضيه ، وهذا بخلاف أبواب العبادات فإنّ الاستنباط فيها لا ينفكّ عن هذه الأمور وغيرها ، وعليه تكون ملكة الاستنباط فيها ملكتين لا ملكة واحدة ، ولا مانع من حصول إحداهما دون الأخرى. (١)
__________________
(١) كما قيل : إنّ مدّعي إمكان التجزّي لا يريد بذلك أنّ ملكة الاجتهاد قابلة للتّجزّي وأنّ للمتجزّي نصف الملكة أو ثلثها ، بل مراده أنّ متعلّق القدرة في المتجزّي أضيق دائرة من متعلّقها في المجتهد المطلق لأنّها فيه أوسع. وقيل : التجزّي تبعيض في أفراد الكلّي ، لا التبعيض في أجزاء الكلّ (التفريق لأجزاء المركّب) فالفرق بين المطلق والمتجزّي إنّما هو بزيادة أفراد ملكة الاستنباط ونقيصتها لا بشدّة الملكة وضعفها.