قال الغزالي : وليس الاجتهاد عندي منصبّا لا يتجزّأ ... فمن عرف طريق النظر القياسيّ فله أن يفتي في مسألة قياسية وإن لم يكن ماهرا في علم الحديث ... ثم ضرب أمثلة أخرى ، مثلا أن يكون عارفا بأصول الفرائض ومعانيها وإن لم يكن قد حصّل الأخبار التي وردت في مسألة تحريم المسكرات أو في مسألة النكاح بلا وليّ ، فلا استمداد لنظر هذه المسألة منها ولا تعلّق لتلك الأحاديث بها ... ومن عرف أحاديث قتل المسلم بالذّميّ وطريق التصرّف فيه فما يضرّه قصوره عن علم النحو الّذي يعرف قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ.) .. وليس من شرط المفتي أن يجيب عن كلّ مسألة فقد سئل مالك عن أربعين مسألة فقال في ستة وثلاثين منها : لا أدري ، وكم توقّف الشافعي بل الصحابة في المسائل. (١)
وقال الآمدي : وأما الاجتهاد في حكم بعض المسائل ، فيكفي فيه أن يكون عارفا بما يتعلّق بتلك المسألة ، وما لا بدّ منه فيها ، ولا يضرّه في ذلك جهله بما لا تعلّق له بها ممّا يتعلّق بباقي المسائل الفقهيّة. (٢)
واستدلّ القائل بالإمكان بوجهين :
الأوّل : إنّ أبواب الفقه مختلفة مدركا ، والمدارك متفاوتة سهولة وصعوبة ، عقلية أو نقلية مع اختلاف الأشخاص ، وربّ شخص له مهارة في النقليات دون العقليات وكذلك العكس ، وهذا يوجب حصول القدرة القويّة في بعضها دون بعض.
__________________
(١) المستصفى : ٢ / ٣٥٣ و ٣٥٤.
(٢) الإحكام في أصول الأحكام : ٤ / ١٧١.