فاعلا تامّ الفاعليّة فيّاضا على الإطلاق لا يفعل ما يفعله لعوض ولا لغرض دعاه إلى الفاعليّة ، لكنّه لمّا كان فاعلا مختارا عليما حكيما ، يترتّب على فعله مصالح ومنافع ، لها ارتباط بنظام الكلّ ، هي غايات لفعله وإن لم تكن علّة غائيّة له وغرضا ، أو بزوال الجميع ، ومن المستبين عدم إمكان تحقّق شيء من هذه الامور فيما نحن فيه ، أي الصادر الأوّل أو القديم ، لأنّ الفاعل هو الله تعالى وهو واجب الوجود لذاته ، والمفروض أن ليس لهما شرط وجود سوى ذات الواجب لذاته العليم الحكيم كما يقولونه في الحوادث اليوميّة من الدورات الفلكيّة والأوضاع الكوكبية ونحو ذلك وكذلك الصادر الأوّل أو القديم لو فرض كونهما مجرّدين عن المادّة ، ليس لهما مادّة وهو ظاهر ولا صورة إذ صورة المجرّد ذاته بذاته ، فبقي أن يكون زوالهما لزوال غايتهما ، سواء فرضا مجرّدين أو ماديّين أو لزوال صورتهما أو مادّتهما لو فرضا جسمين ماديّين ، وهذان أيضا ممتنعان ، أمّا زوال الغاية فلأنّ غاية وجودها كما حقّق في موضعه هي التشبّه بمبدإ الكلّ جلّ شأنه أو معرفته تعالى ، أو كون الوجود خيرا محضا أو نحو ذلك. وشيء من هذه لا يمكن أن ينعدم ، أمّا كون الوجود خيرا محضا فظاهر ، لأنّ خيريّته بالذات ، ولا يمكن أن يختلف (كذا) ذاته ولا أن ينقلب إلى غيره مع كون الفاعل له خيرا بالذّات فيّاضا على الإطلاق ، وكذا التشبّه بالمبدإ ومعرفته لا يمكن أن ينفكّا عن ذات ما هو ذو شعور ومعرفة قابل لتحصيل التشبّه والمعرفة بالغا ما بلغ كالصادر الأوّل الذي قد عرفت أنّه ينبغي أن يكون أشرف الموجودات وأكملها ، أو القديم الذي هو على تقدير فرض وجوده ينبغي أن يكون كذلك.
وبالجملة ينبغي أن يكون حصول المعرفة والتشبّه فيهما أتمّ وأكمل منهما في كلّ ما سواهما من الممكنات ، والحال أنّ مراتب التشبّه والمعرفة غير متناهية ، فإنّ كلّ مرتبة منهما إذا حصلت يمكن أن يحصل بعدها مرتبة اخرى أعلى منها ، حيث لا يقفان إلى حدّ ومرتبة ، والمفروض أن لا مانع من ذلك لا من جهة المتشبّه ولا من جهة المتشبّه به ولا من جهة العارف ولا من جهة المعروف ، بل انّه كلّما ازداد التشبّه والمعرفة يكون الداعي إلى تحصيلهما أقوى ، حيث إنّه يكون العارف والمتشبّه أكمل ، وبهجته وسعادته أتمّ وأوفر ، فما دام ذات العارف والمتشبّه موجودا لا يمكن أن ينفكّ عنه التشبّه والمعرفة ، فكيف يمكن زوالهما حتّى ينعدما بزوالهما ، وينقطع إفاضة الوجود عنهما ، مع أنّ إفاضة التشبّه