والمعرفة خير بالذات كإفاضة الوجود ، ومع أنّ الفاعل جلّ شأنه وتعالى خير بالذات فيّاض على الإطلاق. نعم زوال المعلول بزوال غايته إنّما يتصوّر فيما أمكن زوال تلك الغاية ، كما في الحوادث الزمانيّة أو الدهريّة غير الصادر الأوّل ولا سيّما المادّية منها ، مثل أنّا لو قلنا ـ كما هو رأي بعض الحكماء الإلهيّين ـ بأنّ غاية وجود بدن الإنسان الذي كلامنا في المعاد فيه ، وغاية تعلّق النفس به ، هي أن تستكمل به النفس ، فيما يحصل به سعادتها أو شقاوتها ، ثمّ تنال سعادتها أو شقاوتها ، وانّها إذا استكملت به ولم تحتج إلى البدن في استكمالها تزول تلك الغاية وتنتفي ، وبزوالها يعرض للبدن الفناء والموت ، إمّا بأن ينقطع عنه فيض الفاعل الفيّاض أو بأن ينقطع عنه علاقة النفس التي هي منشأ حياته بل حياته. وبالجملة فموته وانعدامه لزوال غاية وجوده ، أي لترتّب الغاية المقصودة منه عليه وحصولها بالفعل ، وانّه لو بقي بعد ذلك لا يكون لوجوده تلك الغاية المقصودة المترتّبة عليه. وهذا في الموت الطبيعي ، وأمّا في غير الطبيعي منه كالقتل ، فالقاسر يجعل البدن بحيث لا يمكن أن يصير آلة لاستكمال النفس به ، فينقطع عنه تلك الغاية قسرا ، وينقطع عنه فيض الفاعل الفيّاض ، وكذا علاقة النفس به لانقطاع غايته. وأمّا زوال الصورة ، أو المادّة على تقدير تجويز كون الصادر الأوّل أو القديم مركّبا منهما ، فامتناعه يعلم من البيان الذي ذكرنا سابقا ، حيث إنّ زوالهما فيما نحن فيه لا يمكن إلّا بحدوث ضدّهما الذي هو أصلح في الواقع منهما. وكما أنّه لا ضدّ كذلك ولا مطلقا لذات الصادر الأوّل أو القديم إذا فرضا جوهرين مجردين ، كذلك لا ضدّ مطلقا لمادّتهما مطلقا ، وإن فرضناها لهما حيث إنّ المادّة لا محلّ لها ولا موضوع ، وكذلك لا ضدّ لصورتهما وإن جوّزنا إمكان الضدّ للصورة لكونها ذات محلّ ، إذ الضدّ لصورتهما ينبغي أن يكون أصلح في الواقع من صورتهما ، والحال أنّهما ينبغي أن يكونا بمادّتهما وصورتهما إن كانتا لهما أكمل الموجودات الممكنة حتّى من الضدّ الذي يمكن فرضه لصورتهما ؛ هذا خلف.
نعم زوال الشيء لحدوث ضدّه يمكن فرضه في الأجسام العنصرية الكائنة الفاسدة كما في بدن الإنسان أيضا لو قلنا ـ كما هو رأي الطبيعيّين منهم ـ أنّ سبب الموت هو استيلاء الحرارة على رطوبات البدن فتفنيها ، لكونها ضدّا لها ثمّ تفنى هي بفنائها ، ولهذا قالوا إنّ ما هو سبب الحياة هو سبب الموت أو قلنا بأنّ سببه أنّ البدن بورود واردات غريبة