الاستعداد أمر وجودي يفتقر إلى محلّ يقوم به فمع انتقاء الهويّة لا يبقى شيء أصلا فلا استعداد البتّة ، خصوصا على مذهب الأشعري القائل بأنّ الموجود نفس الماهيّة ، فإنّ بانتفائه ينتفي الماهيّة بالكلّية ، لأنّه نفسها فلا يبقى للاستعداد محلّ إذ لا مستعدّ.
نعم هذا الكلام لو صحّ فإنّما يتمّ على رأي المعتزلي القائل بمغايرة الوجود للماهيّة خارجا فإنّ محلّ الاستعداد حينئذ يكون باقيا عند زوال الوجود الأوّل ، لكون الماهيّة شيئا في العدم مع أنّ لقائل أن يقول إنّ قبولها للثاني منع من قبولها للأوّل ، والمانع للشيء لا يكون معدّا له ، فتدبّر.
قال : ولعلّ المراد من قوله تعالى : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) هذا القدر ، ولله المثل الأعلى فإنّ خلق السموات والأرض ابتداءً أعلى وأقوى من الحشر ، فهو مثال له ودليل عليه لمن تدبّر.
ولهذا قال عليّ عليهالسلام : «عجبت لمن أنكر النشأة الآخرة وهو يرى النشأة الاولى» والآية الكريمة دالّة على ذلك في قوله تعالى : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) ، (١)
ومن ذهب إلى امتناع العود ، احتجّ عليه بوجوه :
الأوّل : أنّا المعدوم لا يبقى له هويّة ليصحّ الحكم عليه بالعود ، والصغرى بديهيّة ، وأمّا الكبرى ، فلأنّ الحكم إنّما يكون على الهويّة وحيث لا هويّة لا حكم.
الثاني أنّه لو اعيد لوجب أن يعاد جميع الخواصّ التي هو بها ، وإلّا لما كان المعاد هو ، بل غيره ، لأنّ الشخص إنّما يكون هو بخواصّه ، ومن خواصّه وقته الذي وجد فيه ، وإذا اعيد مع وقته فقد اعيد هو في وقته ، فيكون مبتدأ من حيث إنّه معاد فلا يكون معادا ، فإنّ المعاد هو الذي وجد في وقت ثان ، وقد وجد في وقته الأوّل ، فكيف يكون معادا.
الثالث : أنّه لو أمكن عوده لأمكن عود مثله معه ، لأنّ حكم الأمثال واحد ، وذلك محال ، فإنّه لو اعيد مع مثله لما امتاز أحدهما عن الآخر لتساويهما مع جميع الوجوه ، وإلّا لما كانا مثلين ، فلا امتياز بين اثنين ؛ هذا خلف.
واعترض على الأوّل : بأنّ قولكم «لا يصحّ الحكم عليه» حكم عليه ، وهو تناقض ، ومتى صحّ الحكم عليه لا يصحّ الحكم عليه بامتناع العود ، لأنّ الامتناع إن كان لما هو هو ،
__________________
(١) يس : ٧٩.