في الشفاء :
«يجب أن يعلم أنّ المعاد منه ما هو مقبول من الشرع ، ولا طريق إلى إثباته إلّا من طريق الشريعة وتصديق خبر النبوّة ، وهو الذي للبدن عند البعث ، وخيرات البدن وشروره معلومة ، لا تحتاج إلى أن تعلّم ، وقد بسطت الشريعة الحقّة التي أتانا بها سيّدنا ومولانا محمّد صلىاللهعليهوآله حال السعادة والشقاوة التي بحسب البدن ، ومنه ما هو مدرك بالعقل والقياس البرهاني ، وقد صدّقته النبوّة ، وهو السعادة والشقاوة الثابتتان بالقياس اللتان للأنفس ، وإن كانت الأوهام منّا تقصر عن تصوّرهما الآن ، لما نوضح من العلل. والحكماء الإلهيّون رغبتهم في إصابة هذه السعادة أعظم من رغبتهم في إصابة السعادة البدنيّة ، بل كأنّهم لا يلتفتون إلى تلك ، وإن اعطوها ، ولا يستعظمونها في جنبة هذه السعادة التي هي مقاربة الحقّ الأوّل ، وهي على ما سنصفه عن قريب. ـ انتهى كلامه.» (١)
ويقرب منه كلمات المتقدّمين والمتأخّرين من الحكماء والمتشرّعين من العلماء ، كما يعلم بالاستقصاء.
وامّا بعض المتأخّرين منهم كصدر الأفاضل مولانا صدر الدين الشيرازي فهو وإن تصدّى في بعض مصنّفاته الذي سمّاه الشواهد الربوبيّة لإقامة الدليل العقليّ عليه ، وبذل مجهوده فيه ، لكنّه لم يأت بشيء مبين ، يفي بتمام المدّعى كما لا يخفى على من راجع كلامه وتأمّل فيه واستقصى. (٢)
وسألني (٣) أنّه لا يخفى أنّهم عدّوه من أصول الدين لا من فروع الدين ، فحينئذ نقول: لو كان الفرق بين اصول الدين وفروعه كما ذكره كثير من العلماء أنّ الأوّل ما يستقلّ في إثباته العقل ، وإن نطق به الشرع أيضا ، مثل توحيد الله تعالى وإثبات صفاته العليا وعدله ، وأصل النبوّة والإمامة ، والمعاد الروحانيّ وغيرها ، وإن كان إثبات نبوّة نبيّ خاصّ ، وإمامة إمام مخصوص موقوفا على النص أو العصمة ، أو إظهار المعجزة ونحوها ، وأنّ الثاني ممّا لا يستقلّ بإثباته العقل ، كالصلاة والصيام والزكاة والحجّ والجهاد وأمثالها ، فعلى هذا ينبغي أن يكون يمكن إقامة الدليل العقليّ على إثبات أصل الجسمانيّ منه أيضا ، وإن كان
__________________
(١) كتاب الشفا ، الالهيات ، فصل في المعاد : ٥٤٥ ، طبع مكتبة بيدار ؛ ص ٤٢٣ ، طبع القاهرة.
(٢) الشواهد الربوبيّة : ٢٦٦ ، طبع مشهد.
(٣) عطف على : ذاكرني.