إثبات خصوصيّاته موقوفا على الشرع ، وهم قد اعترفوا بالعجز عن إقامة الدليل على إثباته مطلقا ، وإلّا فالفرق ما ذا؟ وحينئذ فيلزم عليهم ارتكاب أحد الأمرين : إمّا القول بإدراجه في فروع الدّين ، وهو خلاف ما قرّره العلماء ، أو القول بأنّه يكفي في إدراج مطلق المعاد في اصول الدين استقلال العقل في أحد فرديه ـ أي الروحانيّ منه ـ وإن لم يستقلّ العقل في إثبات فرده الاخرى ، ـ أي الجسمانيّ منه ـ وفيه ما ترى ، فإنّ الظاهر أنّ إدراجه في اصول الدين ، إدراج لكلا فرديه فيها دون أحدهما.
وبالجملة فسواء عدّ من اصول الدين ، كما هو الأحرى والأولى ، أو لم يعدّ منها ، فهل يمكن إقامة الدليل عليه بحيث لا يعتريه شبهة ولا مراء أم لا؟
فرأيت التصدّي للجواب عن هذا السؤال ، والاستكشاف عن جليّة الحال ، والنظر في أنّه هل يمكن إقامة الدليل عليه أحرى ، مع كوني ناقص الذهن ، قاصر الفهم ، قليل القسط من الفطانة والذكاء ، ويبعد عن مثلي إدراك ما اعترف بالعجز عنه فحول الفضلاء ، وقد اشتهر بينهم أنّ الجهالة أدنى إلى الخلاص من فطانة بتراء ، لكنيّ قد امتثلت بقول القائل : «كم ترك الأوّل للآخر» ، فراجعت نفسي ، وفكّرت فيه ، وبذلت جهدي ، واستعنت بربيّ جلّ وعلا ، واستمسكت بذيل هداية أئمة الهدى ، الذين هم العروة الوثقى ، في مراقبات تترى ، فآنست نارا من شاطئ الهدى ، فخلعت نعل علائقى وأتيت بقدم الشوق ، وادي الجدّ والطلب ، لعلّي آتي منها بقبس ، أو أجد على النّار هدى. وقلت : ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري واحلل عقدة من لساني واجعل لى وزيرا من عقلي يفقهوا قولي إنّك كنت بنا بصيرا ، فنوديت من شاطئ الواد الأيمن أن : يا طالب الحقّ أقبل ولا تخف ، إنّك قد اوتيت سؤلك ببركة الاعتصام بحبل سادة الورى ، وكنت من الآمنين لا تخاف دركا ولا تخشى ، إنّي أنا ربّك الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى ، فاعبدني واستمع لما يوحى ، إنّ السّاعة آتية أكاد اخفيها لتجزى كلّ نفس بما تسعى ، منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى ، فاقتبست بتوفيق ربّي جلّ وعلا ، قبسة من تلك النار ، بها أضاء لي وجه المقصود ، فلاح لي كالبيضاء نورا وضياء ، فجاء بحمد الله دليلا واضحا لائحا كما يروق النواظر ويضيئ ألباب أرباب الفهم والذكاء ، إلّا أنّه يعوّقني من تحريره وتهذيبه عوائق شتّى ، وموانع لا تحصى ، أعظمها أنّي قد وقعت في زمن ، قد سنحت فيه بعض