وقوله تعالى : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ* تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ). (١)
وقوله تعالى : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ* الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ). (٢)
إلى غير ذلك من الآيات والأخبار ، لو حملناها على الشقاوة العقليّة أو على أعمّ منها ومن الحسّيّة.
وهب أن السعادة والشقاوة العقليّتين حيث كانتا ممّا يستقلّ في إثباتها العقل بالقياس البرهانيّ ، وكنّا مع ذلك ممّا لا نتصوّر هما حقّ التصوّر لكوننا منغمسين في البدن ورذائله ، لم يفصلهما الشرع تفصيله للسعادة والشقاوة الحسّيّتين ، بل وقعت في الشرع إشارات وإيماءات إليهما يفهمها من يفهمها ، إلّا أنّ فيما ذكره الشيخ إهمالا لما هو المقصود الأهمّ هنا ، وهو أنّه لم يتبيّن من كلامه أنّ النفس بعد مفارقتها عن البدن في إدراكها للسعادة وإصابتها للشقاوة العقليّة ، هل هي مجرّدة عن المادّة في فعلها كما هو مجرّدة عنها في ذاتها؟ أو هي متعلّقة بمادّة تتصرّف فيها تصرّف التدبير ، كتصرّفها في البدن؟ أو لا تتصرّف فيها ذلك التصرّف ، بل إنّما هي متعلّقة بها نوع تعلّق ، لتكون تلك المادّة موضوعة لإدراكاتها؟ مع أنّه على فرض التجرّد كيف تكون مجرّدة عن المادّة في أفعالها وإدراكاتها؟ والحال أنّها كانت بدنيّة لا إدراك لها أصلا إلّا في ضمن البدن ، وكيف تكون ذات واحدة تارة بدنيّة كما في النشأة الدنيويّة وتارة غير بدنيّة أصلا ، بل مجرّدة عن البدن وعمّا يشابهه مطلقا كما في ما بعد الموت إلى وقت البعث ، وتارة بدنيّة أيضا كما في حال البعث ، حيث إنّ الشيخ سلّم ذلك ، وقبل المعاد الجسمانيّ من الشرع؟ ولو قال بأنّ النفس إنّما كانت في النشأة الدنيويّة بدنيّة لأجل استكمالها في ضمنه ، فإذا حصل الاستكمال فلا احتياج لها إليه في أفعالها وإدراكاتها ، فيمكن أن تكون مجرّدة عن ذلك مطلقا.
قلنا : ذلك على تقدير تسليمه ، إنّما يسلّم في النفوس الفاضلة التي حصلت كمالاتها العلميّة والعمليّة بالفعل ، وأمّا في النفوس التي هي بخلاف ذلك ولم تحصّل كمالاتها ، بل حصلت ما ينافي كمالاتها ، فلا.
__________________
(١) القيامة (٧٥) : ٢٤ ـ ٢٥.
(٢) الهمزة (١٠٤) : ٦ ـ ٧.