وأيضا يرد النقض بتلك النفوس حين البعث ، فإنّها بدنيّة هنالك لا محالة كما نطق به الشرع واعترف به الشيخ ، فلو كان الاستكمال مغنيا لها عن البدن لكانت النفوس المحصّلة لكمالاتها غير بدنيّة هنالك أيضا ، هذا خلف.
وإنّه على فرض التعلق بالمادّة بعد المفارقة ، فلا شكّ أنّ تلك المادّة ليست هي البدن الأوّل الذي كانت متعلّقة به ، لكون المفروض مفارقتها عنه واضمحلاله وبطلانه ، فهي مادّة أخرى غير ذلك البدن الأوّل ، فلا يخلو حينئذ إمّا أن تكون متعلّقة بتلك المادّة الأخرى تعلّق التدبير والتصرّف ، فهذا تناسخ ، فقد ظهر بطلانه ؛ وإمّا أن تكون متعلّقة بها لا تعلّق التدبير والتصرّف ، بل نوع تعلّق لأن تكون موضوعة لإدراكاتها كما ذهبوا إليه في النفوس الساذجة ، من التعلّق بجرم سماويّ أو جرم دخانيّ ، أو نحو ذلك ، على ما عرفت من المذاهب المنقولة في ذلك ، فهذا أيضا باطل ، قد أشرنا إلى بطلانه فيما سبق.
وبالجملة ، ففيما ذكره إهمال لما هو الغرض المهمّ هنا.
فإن قلت : لا إهمال ، فإنّ الشيخ لعلّه لم يتعرّض لبيان ذلك صريحا ، إشعارا بأنّ السعادة والشقاوة العقليّتين لمّا كانتا حاصلتين للنفس بذاتها ، وكان إدراكها غير مفتقر إلى آلة بدنيّة ، فلا توقّف لبيان حال تلك السعادة وتلك الشقاوة على بيان كون النفس كائنة حينئذ في ضمن بدن ، مع أنّه حيث قبل المعاد الجسمانيّ من الشرع ، فقد أشعر بذلك البيان كما نطق به الشرع.
قلت : هب أنّ السعادة والشقاوة العقليّتين تحصلان للنفس بذاتها ، وأنّ إدراكهما لا يحتاج إلى آلة بدنيّة ، إلّا أنّا نقول : إنّ الإهمال الذي ادّعيناه من جهة أنّه لم يبيّن أنّ النفس في تلك الحالة التي يدرك فيها السعادة والشقاوة العقليّتين ، هل هي في ضمن بدن أم لا؟ وأنّ ذلك البدن ما ذا؟ مع أنّ السعداء الذين تحصل لهم بعد المفارقة السعادة العقليّة تحصل لهم السعادة الحسّيّة أيضا ، على ما دلّ الدليل النقليّ والعقليّ عليه ، وأنّ السعادة الحسّيّة الأخرويّة ليست من جنس السعادة الحسّيّة الدنيويّة في الخسّة حتّى يهمل بيانها ، بل أعظم منها بمراتب ، بل إنّ أكثر ما دلّ عليه الشرع من السعادة هو السعادة الحسّيّة كما يظهر على من تتبّع. وكذلك الأشقياء ، كما دلّ الدليل العقليّ والنقليّ على حصول الشقاوة