رأوا عملا سيّئا اغتمّوا وتألّموا ، ونحو ذلك من الحالات الواردة في شأنهم في ذلك العالم ، يدلّ على أمور :
منها أنّ لتلك الأبدان المثاليّة حواسّا ظاهرة وباطنة ، وكذا للنفس فيه آلات مثاليّة ، كما كانت لها في النشأة الدنيويّة آلات بدنيّة جسمانيّة ، وبالجملة قوى مدركة حيوانيّة وآلات مثاليّة ، تدرك تلك الأرواح في ضمن تلك القوالب بتوسّط تلك القوى وبتلك الآلات المثالية إدراكات جزئيّة ملائمة أو غير ملائمة ، فتلتذّ لذّة بدنيّة ، أو تتألّم ألما بدنيّا ، كما كانت تدرك في النشأة الدنيويّة بتوسّط القوى والآلات البدنيّة ، مضافا إلى ما هو ثابت لتلك الأرواح بالقياس إلى ذواتها المجرّدة الباقية من القوة العقليّة التي بها تدرك المعقولات ، فتلتذّ لذّة عقليّة أو تتألّم ألما عقليّا. وهذا نظير ما قاله الحكماء من أنّ للنفوس المنطبعة الفلكيّة إدراكات جزئيّة مضافا إلى الإدراكات الكلّيّة للنفوس المجرّدة المتعلّقة بها ، مع كون أجسام الأفلاك وأجرامها لطيفة غير كثيفة ، فاللطافة لا تمنع أن تكون لها قوى مدركة جزئيّة ، وآلات لذلك لطيفة.
ومنها : أنّ في ذلك العالم أصواتا وطعوما وروائح ونحوها من مدركات الحواس ، وإن كانت هي مثلا قائمة بذواتها لا أعراضا ، أو كانت أعراضا قائمة بمثل قائمة بذواتها لا كالأعراض الموجودة في العالم الحسّيّ القائمة بالأجسام ، وكذلك فيه مأكولات ومشروبات هي غذاء الأرواح في ذلك العالم.
ومنها : أنّ للأرواح في ضمن تلك القوالب حركات وسكنات في الأين ، بل في الكيف أيضا ، وإن كانت الأينيّة منها في ذلك العالم ليست مثل الأينيّة منها في العالم الحسّيّ. وبذلك ، وكذا بما تضمّنته تلك الأخبار من أنّ لهم فيه أكلا وشربا وشوقا إليهما ، وتنعّما بهما ، وكذا كراهة وسرورا ، يظهر أنّ لتلك الأرواح في ضمن تلك القوالب قوى محرّكة حيوانيّة فاعلة للحركة ، وكذا باعثة عليها من الشوقيّة الشهوانيّة ، بل الغضبيّة أيضا. حيث إنّ النفس التي لها القوة المحرّكة الشوقيّة لا تخلو عن قوّة غضبيّة أيضا.
وإنّ ما ورد من سرورهم وكراهتهم كما يدلّ على ثبوت القوّة الشوقيّة لهم ، كذلك يدلّ على ثبوت القوّة الغضبيّة لهم ، حيث إنّ تلك الكراهة أعمّ من الكراهة النفسانيّة ومن