الكراهة البدنيّة التي هي الغضب.
وبذلك يظهر أنّ لتلك الأرواح في ذلك العالم جميع القوى الحيوانيّة ، مدركة كانت أم محرّكة ، فاعلة للحركة أم باعثة عليها ، مضافا إلى ما كان ثابتا لها بالقياس إلى ذواتها الباقية من القوى العقليّة النظريّة والعمليّة والعلوم والملكات.
وهذا بيان جملة من لوازم الجسميّة التي يستفاد من تلك الأخبار ثبوتها لتلك القوالب المثاليّة ولذلك العالم. ويستفاد منه أيضا أنّ اللوازم الأخر الجسمانيّة منتفية عنها وعن ذلك العالم ، وذلك على وجوه :
الأوّل : أنّه لو كانت كلّ اللوازم الجسمانيّة ثابتة لها لكانت هي قوالب جسمانيّة عنصريّة أو فلكيّة ، وهذا خلاف المفروض.
والثاني : أنّه حيث تضمّنت تلك الأخبار لثبوت ما بيّنّا ثبوتها لها مع السكوت عن ثبوت اللوازم الأخر الجسمانيّة ، فتدلّ بفحاويها على انتفائها عنها ، إذ لو كانت هي أيضا ثابتة لها ، لكان ينبغي أن يكون في تلك الأخبار دلالة عليها أو إشعار بها ، وإذ ليس فليس.
لا يقال : إنّ ما تضمّنته تلك الأخبار ، من أنّ لتلك الأرواح في ضمن تلك القوالب أكلا وشربا ربّما يشعر ، بل يدلّ على أنّ لها قوى نباتيّة أيضا ، إذ الأكل والشرب لا يكونان إلّا بها.
لأنّا نقول : إنّ القوى النباتيّة لا تكون إلّا لجسم له تغذية وتنمية وتوليد ، ولا يظهر من تلك الأخبار أنّ هذه الأفعال الثلاثة ثابتة لتلك القوالب حتّى يثبت لها القوى النباتيّة. بل الظاهر منها أنّ فيها دلالة على خلاف ذلك ، كما سنشير إليه.
وحينئذ نقول : إنّ ما دلّ على الأكل والشرب لا يدلّ على أكثر من أنّ لها قوّة شوقيّة وشهوانيّة من القوى الحيوانيّة ، وقد ذكرنا أنّ القوّة الحيوانيّة ثابتة لها ، بل ربّما يدّعى أنّ فيه إشعارا ، بأنّ لذّة الأكل والشرب التي في ذلك العالم لذّة حقيقيّة ، ليست مثل اللّذة التي في العالم الدنيويّ حيث إنّها في النشأة الدنيويّة إنّما هي رفع ألم الجوع والعطش اللذين هما مع التحلّل البدنيّ ، ليكون المأكول والمشروب بدلين عمّا يتحلّل من البدن ، وأمّا هي في ذلك العالم فليست كذلك ، حيث إنّ التحلّل البدنيّ لا يكون فيه حتّى يقارنه ألم جوع أو