عطش ويحتاج إلى بدل ما يتحلّل ، بل هي لذّة حقيقيّة. وأمّا أنّ التحلّل البدنيّ لا يكون فيه فسنشير إليه.
الثالث : أنّ تلك الأخبار حيث تدلّ بفحاويها على أنّ تلك القوالب المثاليّة لطيفة في الغاية ، روحانيّة جدّا ، باقية دائمة كائنة على صفة الأجساد الدنيويّة دائما لا تتطرّق إليها شائبة تغيّر أو تبدّل أو زوال أو نحوها ، وبالجملة الحالات التي هي من جهة المادّة الجسمانيّة ، فتدلّ على أنّ كلّ اللوازم الجسمانيّة التي هي من جهة المادّة منتفية عن تلك القوالب وعن ذلك العالم ، فيظهر منه أنّه ينتفي عنها ما في العالم الحسّيّ من صفات البسائط العنصريّة والاسطقسّات كالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والثقل والخفّة وأمثال ذلك. وكذا صفات المركّبات منها من المعدنيّات وغيرها. وكذا صفات النبات وأفعالها ، من الجذب والإمساك والهضم والدفع والتصوير والتشكيل والتخليق والإنماء والتوليد والتحلّل ونحو ذلك.
وبذلك يظهر أن ليس لها قوى نباتيّة ، وأنّ الأكل والشرب الواردين في الأخبار ليسا ليكونا بدلين عمّا يتحلّل. وأنّ لذّتهما في ذلك العالم لذّة حقيقيّة ليست مثل ما في النشأة الحسّيّة. وكذا ينتفي عنها الصفات التي للأفلاك من جهة موادّها التي هي متغيّرة في حدّ ذاتها ، مع أنّ بعض ما تضمّنته تلك الأخبار من الحالات التي لتلك الأرواح في ضمن تلك القوالب كالأكل والشرب والحركة الأينيّة ونحوها ، ينفي أيضا كونها أجراما فلكيّة ، إذ ليس لها ذلك.
وما فصّلناه جملة من أحوال هذا العالم استفدناها من تلك الأخبار بحسب فهمنا القاصر.
وبه يظهر وجه تسمية هذا العالم بعالم المثال من جهة كونه مماثلا للعالم المحسوس الجسمانيّ المادّيّ في كثير من الصفات واللوازم ، وإن كان مغايرا له في بعض آخر.
وكذا يظهر وجه كون هذا العالم عالما متوسّطا بين العالم الحسّيّ والعقليّ من جهة أنّه ليس في كثافة المادّيّات ولا في لطافة المجرّدات ، وأنّه ينتفي عنه بعض لوازم الجسميّة ويثبت لها بعض آخر منها. وهذا مطابق أيضا لما قال به الحكماء القائلون بهذا العالم كما