وكما أنّ الأخبار الواردة في ذلك دالّة على وجود البدن المثاليّ لكلّ روح من الأرواح على ما عرفت بيانه ، كذلك هذا الدليل أيضا يدلّ عليه ، حيث إنّ احتياج النفس الإنسانيّة إلى بدن غير مختصّ بنفس دون نفس ، بل يعمّ الكلّ ، أي نفوس الكاملين وغير الكاملين والسعداء والأشقياء والمتوسّطين والبله والصبيان والمجانين ، إذ نفوس الكلّ باقية بعد خراب أبدانهم ، كما عرفت الدليل عليه فيما سلف.
وقد دلّ الدليل المذكور على أنّ النفس الباقية بعد فناء بدنها العنصريّ تحتاج إلى بدن مثاليّ ، وفيه المطلوب.
وأمّا بيان عدم المانع عنه ، فلأن ذلك المانع ، إمّا من جهة الشرع ، وظاهر انتفاؤه ، وإمّا من جهة العقل ، وليس يتصوّر هنا مانع عنه من جهة إلّا توهم لزوم التناسخ المستحيل ، وهو منتف هنا. وبيان الانتفاء أنّك قد عرفت فيما قرّرنا دلائل إبطال التناسخ أنّ العمدة والأصل في بطلانه أحد أمور ثلاثة :
أحدها : أنّ النفس المستنسخة إذا قلنا بجواز تعلّقها ببدن آخر ، يكون ذلك البدن لاستعداده لحدوث تعلّق نفس به مناسبة له مستعدّا لحدوث نفس له غير النفس المستنسخة ، فإذا جاز تعلّق تلك النفس الأخرى به ، مع فرض جواز تعلّق المستنسخة أيضا به ، لزم جواز أن يتعلّق به نفسان ، وهذا محال كما مرّ بيانه.
والثاني : أنّه إذا جاز التناسخ وتعلّق النفس المستنسخة ببدن آخر غير الأوّل ، لزم أن ينقلب فعليّتها التي حصلت لها في ضمن البدن الأوّل إلى القوّة التي كانت لها أوّلا في ضمن البدن الآخر ، وانقلاب الفعليّة إلى القوّة والاستعداد المحض محال.
والثالث : أنّه يلزم منه جواز تعلّق نفس واحدة بأكثر من بدن واحد تعلّق التدبير والتصرّف.
ولا يخفى أنّ هذه المحالات لا تلزم على تقدير القول بالانتقال إلى البدن المثاليّ أصلا ، لأنّ البدن المثاليّ حيث إنّه ليس من جنس البدن الجسمانيّ ، وليس له مادّة جسمانيّة ، فليس له قوّة ولا استعداد لشيء لأنّ ذلك من توابع المادّة الجسمانيّة ، وإذا لم يكن له قوّة واستعداد كما للجسمانيّات ، فلا يلزم أن يكون مستعدّا لحدوث نفس أخرى ،