والمسيء من خارج ، والآيات والأخبار الواردة في ذلك الدّالّة عليه بظواهرها أكثر من أن تحصى ، وهي في الدلالة عليه بحيث لا تقبل التّأويل في الظاهر ، كما لا يخفى على من نظر فيها. وكثير منها وإن كانت ظاهرة في وقوع ذلك في الآخرة ، إلّا أنّ بعضها لاطلاقه يدلّ على وقوعه في النّشأة البرزخيّة أيضا ، بل إنّ بعضها ظاهرة في ذلك :
قال تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (١).
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران».
وهذه كما تدلّ على وقوع ثواب أو عقاب جسمانيّين محسوسين في عالم البرزخ وفي القبر إلى قيام السّاعة ، كذلك فيها دلالة على أنّ البرزخيّ منها من جنس عالم المثال ، وأنّها أضعف تأثيرا ممّا في عالم الآخرة ، فلذا عبّر في الآية عنها بالعرض على النار ، يعني أنّه ليس دخولا في النار ، وفي الحديث بكون القبر روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النيران ، يعني أنّه ليس نفس الجنّة ولا نفس النار ، بل إنّه ممّا يشابههما ومن أشباحهما.
وكذا فيها دلالة على أنّ الأخرويّ منها من جنس عالم الآخرة ، ومن العالم العقليّ كما مرّ تفسيره ، وعلى أنّها أشدّ تأثيرا ممّا في البرزخيّة ، ولذا قال تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (٢) وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران» دلالة على أنّ الدخول في أصل الجنّة وأصل النّار يكون بعد زمان القبر ؛ والله تعالى يعلم.
وبالجملة ، فدلالة تلك الآيات والأخبار على وقوع ثواب أو عقاب جسمانيّين بعد الموت من خارج في عالم البرزخ وفي عالم الآخرة واضحة ، وقد قال به أهل الشرع أيضا ، وحيث إنّ الشرع قد نطق به يجب التّصديق به ، ولا امتناع في وقوع الثواب والعقاب الجسمانيّين من جهتين :
إحداهما من داخل كما دلّ عليه ما دلّ على تجسيم الأعمال ، والأخرى من خارج ،
__________________
(١) غافر (٤٠) : ٤٦.
(٢) نفس الآية.