زوالها عنها لعروض أسباب زوالها ، فلا امتناع في زوال تلك الهيئة عنها وانقطاع العقاب بحسبها. وعلى تقدير بقاء ذات تلك الهيئة أيضا ، فلا امتناع في بطلان تلك الصورة المؤلمة التي تصوّرت تلك الهيئة بصورتها ، بحسب أسباب تعرض هناك من توبة أو شفاعة أو نحو ذلك ، وإن لم يكن نعلمها. وعلى تقدير بقاء تلك الصورة المؤلمة أيضا فلا امتناع في بطلان إيلامها وإيذائها ، فإنّ ما ذكرنا أنّ العقاب الجسمانيّ لازم للأعمال ، لم نعن به أنّه لازم لماهيّة تلك الأعمال والهيئات ، حتّى لا يمكن انفكاكه عنها ، بل عنينا به أنّه لازم للوجود الخارجيّ لها ، ولا امتناع عقلا في أن يبقى ماهيّتها وذاتها وينفكّ عنها لازم وجوده الخارجيّ بسبب من الأسباب العارضة. بل ربّما يدّعى أنّ الشرع دلّ عليه كما في قصّة إبراهيم على نبيّنا وعليهالسلام ، وجعل النار عليه بردا وسلاما مع بقاء ذات تلك النار على ما هي عليه من مادّتها وصورتها.
فظهر ممّا ذكرنا أنّ تلك الشّبهة ـ على تقدير تجسيم الأعمال ـ لا ورود لها أصلا ، لا على مذهب الحكماء ولا على مذهب غيرهم.
نعم ، تلك الشبهة إنّما ترد ظاهرا على تقدير وقوع العقاب من خارج ، وعلى هذا التقدير أيضا ، فإن أوّل بما يؤوّل إلى تجسيم الأعمال ، سقطت تلك الشّبهة أيضا.
وذلك التأويل بأن يقال : يمكن أن يكون ذلك العقاب الخارجيّ أيضا لازما لتلك الأعمال مسبّبة عنها وصورة لها ، لا بأن يكون قد تصوّر العمل نفسه بصورة ذلك العمل كما ذكرنا في الوجه الثاني من وجهي تجسيم الأعمال ، بل بأن يكون أوجد الله تعالى لحكمته القديمة وعنايته الأزليّة وعمله بالوجه الأصلح وبما يقتضيه نظام العالم بجملته ، لكلّ عمل صورة مناسبة لها خارجة عن ذاتها مسبّبة عنها ، كما ذكرنا في الوجه الأوّل من وجهي تجسيم الأعمال.
وحينئذ ، فلو قلنا بوجود الجنّة والنار الآن وخلقها قبل صدور الأعمال من العباد كما هو مذهب جمهور المسلمين ، وهو ظاهر الشرع المتين والحقّ المبين ، ينبغي القول بخلق تلك الصور المناسبة لتلك الأعمال قبلها.
وربّما يدّعى أنّه ممّا يؤيّده بعض الآيات والأخبار ، كقوله : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ