بِالْكافِرِينَ) (١) حيث إنّ ظاهره الإحاطة في الزمان الحال.
وبالجملة ، ينبغي القول بخلقها قبلها لحكمة ومصلحة لا يعلمها إلّا علّام الغيوب ، ومن جملتها ترغيب المكلّفين بالأعمال الحسنة التي يناسبها تلك الصور الملذّة وتزهيدهم عن الأعمال السّيّئة التي يناسبها تلك الصّور المؤلمة ، فإنّه لا يخفى أنّهم إذا علموا بأنّ تلك الصور خلقت قبل صدور الأعمال عنهم وأعدّت لهم جزاء لأعمالهم الحسنة أو السّيئة ، يكون التكليف أتمّ والترغيب والتزهيد أبلغ وأكمل ، ولا كذلك إذا لم تخلق قبل ووعدوا أو أوعدوا على خلقها وإعدادها لهم بعد صدور العمل عنهم.
ولو قيل بعدم خلق الجنّة والنار الآن ، وإنّهما تخلقان يوم الجزاء ـ كما هو مذهب أكثر المعتزلة ، وإن كان مخالفا لظاهر الشرع ـ فالأمر أظهر من وجه ، فإنّه يكون الجنّة والنار اللتان هما صورتا الأعمال الحسنة والسيّئة مخلوقتين بعد الأعمال ، ولا امتناع فيه أيضا ، ويكون في التكليف وفي الوعد والوعيد بخلقها بعد ذلك حكمة ومصلحة لا تخفى.
وأمّا إذا لم يؤوّل ذلك بما ذكرنا أو نحوه بل أبقي على ظاهره ، أي وقوع العقاب الجسمانيّ من خارج من غير أن يكون ذلك صورة العمل ، فيمكن دفع تلك الشبهة أيضا بما نذكره ، فنقول :
أمّا جوابها على مذهب الحكماء وعلى التقدير الأوّل ، فبأن يقال : إنّ مبنى تلك الشبهة على ذلك التقرير ، أنّ معنى القضاء أنّ الله تعالى عالم بجميع الموجودات من الأزل إلى الأبد ، وأنّ معنى القدر مطابقة الموجودات فيما لا يزال للصور الموجودة في العالم العقليّ ، وأنّ كلّ ما يوجد في عالم الحدوث يجب أن يكون على وفق علمه تعالى ، والّا لزم جهله تعالى به ، وهذا مسلّم. إلّا أنّا نقول : إنّ ذلك الوجوب ليس وجوبا سابقا ، بمعنى أن يكون القلم الأزليّ والمطابقة للعالم العقليّ علّة وسببا موجبا لصدور الفعل عن العبد حتّى يسأل عن أنّه لم يعاقب الانسان على شيء صدر عنه على سبيل الوجوب ، لأنّ العلم تابع للمعلوم فكيف يكون علّة لوجوده؟ ومعنى التبعيّة أصالة موازنة في التطابق كما حقّق في
__________________
(١) التوبة (٩) : ٤٩.