مبنيّ على اشتراط البنية الأولى بهيئتها الأولى التركيبيّة بعينها في الحياة ، وهو ممنوع. غاية ذلك أن يكون خلاف العادة ، وخوارق العادات غير ممتنعة في مقدورات الله تعالى.
وكذلك القول بأنّ ما ذكر يخالف بعض السمعيّات ، كقوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) (١) ، وأنّهم لو أحيوا في القبر أو بعد الموت الأوّل قبل القيامة لذاقوا الموت مرّتين. ضعيف ، لأنّ الآية كما ذكره المفسّرون إنّما وردت في شأن أهل الجنّة ، وضمير «فيها» للجنّة. والمعنى ـ والله أعلم ـ أنّ أهل الجنّة لا يذوقون في الجنّة الموت ، فلا ينقطع نعيمهم كما انقطع نعيم أهل الدنيا بالموت ، فلا دلالة في الآية على انتفاء موتة أخرى بعد المساءلة والضغطة وقبل دخول الجنّة ، وأمّا قوله تعالى : (إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) (٢) ، فهو تأكيد لعدم موتهم في الجنّة على سبيل التعليق بالمحال ، كأنّه قيل : لو أمكن ذوقهم الموت في الجنّة لذاقوا الموتة الأولى ، وهو غير ممكن. فذوقهم الموت في الجنّة غير ممكن ، أو المراد أنّهم لا يذوقون الموت في الجنّة إلّا الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا نظير الاستثناء المنقطع. والله أعلم بحقيقة الحال.
وحيث انتهى الكلام إلى هذا المقام ، وذكرنا نبذا من أحوال النفس الإنسانيّة في عالم البرزخ ، أي أحوالها بعد المفارقة عن البدن إلى قيام السّاعة ، فلنتكلّم في أحوالها في العالم الأخرويّ عند قيام الساعة وبعده ، فنقول :
__________________
(١) الدخان (٤٤) : ٥٦.
(٢) نفس الآية.