السّباع والهوامّ من أجوافها ممّا أكلته ومزّقته كلّ ذلك في التراب محفوظة ، عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة في ظلمات الأرض ، ويعلم عدد الأشياء ووزنها ، وإنّ تراب الروحانيّين بمنزلة الذهب في التّراب ، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور ، فتربى الأرض ثمّ تمخض مخض السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء ، الزبد من اللّبن إذا مخض ، فيجمع تراب كلّ قالب فينتقل بإذن الله تعالى القادر إلى حيث الروح ، فتعود الصور بإذن المصوّر كهيئتها ، وتلج الرّوح فيها ، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا (١) ، الحديث.
وأقول : إنّ في هذا الحديث الشريف مع الدّلالة على أنّ المعاد الجسمانيّ يكون بجمع أجزاء البدن على مثل الهيئة الأولى وإعادة تأليفها مرّة أخرى كالأوّل ، وإعادة تعلّق الروح بها كرّة بعد أولى ـ كما ذكرنا الحديث دليلا عليه ـ دلالة على أنّ الروح بعد مفارقتها عن البدن لا تفنى ، بل تبقى في مكانها الذي قدّره الله تعالى لها ، روح المحسن في ضياء وفسحة ، وروح المسيء في ضيق وظلمة. وكان ذلك في عالم المثال على ما دلّت عليه الأخبار الأخر كما نقلناها وذكرنا شرحها سابقا. وكذا دلالة على أنّ البدن لا ينعدم بالموت ، حتّى لا يمكن إعادته ، بل إنّما ينعدم تأليفه الذي لا دخل له في تشخّص البدن وتشخص الشخص ، ولا يلزم أيضا إعادته بعينه حتّى يلزم إعادة المعدوم ، بل المعاد تأليف آخر مثل الأوّل.
وبالجملة يدلّ على أنّه ينعدم تأليفه وهيئته الأولى والأجزاء الفضليّة منه ، وتبقى أجزاؤه الأصليّة التي هي مع تأليف ما وهيئة ما وأجزاء فضليّة ما مناط الحكم بأنّها هو ذلك البدن الأوّل.
وقد عرفت في الباب الثاني ـ حيث نقلنا هذا الحديث الشّريف مع سابقه ـ أنّ ظاهره ، وإن كان تجسّم الروح حيث تضمّن أنّها جسم رقيق ، وأنّ جميع ما ذكره عليهالسلام في هذا الحديث ، إنّما هو بيان حال الرّوح التي هي جسم رقيق ، إلّا أنّه يمكن تأويله بالروح
__________________
(١) الاحتجاج ٢ / ٩٨.