الإنسانيّة بتوسّط آلاته وقواه المثاليّة لا بالذّات من غير توسّط آلة وقوّة ، حيث إنّ النّفس لا تدرك الجزئيّات المحسوسة المادّيّة بذاتها من غير توسّط القوى والآلات.
وبالجملة ، أنّ المدرك لتلك الرؤيا التي هي أمور مثاليّة هو النفس بتوسّط القوى والآلات المثاليّة ، وفي ضمن البدن المثاليّ أي الشخص الإنسانيّ المثاليّ. ومع ذلك يحكم العقل حكما صريحا غير مشوب بريبة ، أنّ المدرك لذلك هو بعينه الشخص الإنسانيّ الذي هو عبارة عن النفس الإنسانيّة المتعلّقة ببدن عنصريّ لا شخص آخر غيره ، كما أنّه في حال اليقظة أيضا إذا انفرد البدن المثاليّ والشخص المثاليّ بأفعال وخواصّ ، يكون الحال كذلك ويعلم ذلك بالمقايسة. كذلك يجوز أن يكون في حال خراب الهيئة التركيبيّة البدنيّة ، وبقاء الأجزاء الأصليّة من البدن ، وغلبة تعلّق النفس بالبدن المثاليّ الذي هو موجود بالعرض بوجود الأجزاء الأصليّة وباق ببقائه ـ كما في عالم البرزخ ـ ينفرد الشخص الإنسانيّ المثاليّ ، أي النّفس في ضمن البدن المثاليّ وبتوسّط القوى والآلات المثالية بإدراك واردات عليه من المدركات الجزئيّة الحسّيّة الملذّة أو المؤلمة كما نطق به الشرع ، وأن يكون هذا الشخص بعينه هو الشخص الإنسانيّ الذي صدر عنه الخيرات أو الشرور في النشأة الدنيويّة بلا مغايرة بينهما ذاتا وحقيقة ، بل إنّه يحكم به العقل أيضا كما في الصورة الأولى. وكأنّ الحكمة المتعالية الإلهيّة اقتضت أن يكون الشخص الإنسانيّ الذي قلنا إنّه عبارة عن النفس الإنسانيّة المتعلّقة ببدن مخصوص عنصريّ ، يتبعه بدن مثاليّ موجود بوجوده تعلّقا واحدا ، وصدر عنه في النشأة الدنيويّة التي هي دار التكليف خيرات أو شرور مجزيّا بأعماله وأفعاله إمّا مثابا أو معاقبا بعد قطع تعلّق نفسه عن بدنه العنصريّ بهيئته وخراب بدنه ذلك ، بأن يكون في النشأة البرزخيّة المتوسّطة مجزيّا في الأكثر في ضمن البدن المثاليّ بالثواب أو العقاب الحسّيّين المثاليّين ، مضافا إلى ما يكون لنفسه من السّعادة والشّقاوة العقليّتين ، وكذا مضافا إلى ما يكون لذلك الشخص من الثواب أو العقاب الحسّيّين في ضمن البدن العنصريّ أيضا إذا لم يبطل تركيبه ، أو بطل أيضا وذلك كما في الضغطة والمساءلة ، حيث إنّه قد دلّ الشّرع كما ذكرناه سابقا على أنّه في الحالتين بعد تعلّق النفس بإذن الله تعالى بذلك البدن العنصريّ بهيئته مرّة أخرى تعلّقا