وقال في تفسير قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) (١) الآية ، في قوله تعالى : (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٢) : يعني الأمم كلّها فيعوّضها وينتصف لبعضها من بعض ، وفيه دلالة على عظم قدرته ولطف تدبيره في الخلائق المختلفة الأجناس ، وحفظه لما لها وعليها ، وأنّ المكلّفين لم يختصّوا بذلك دون من سواهم.
وقال في تفسير قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) (٣) ، في قوله تعالى : «وما بثّ فيهما من دابّة» : وما بثّ ، يجوز أن يكون مجرورا ومرفوعا عطفا على المضاف أو المضاف إليه ، وقال : فيهما أي والحال أنّ الدّواب في الأرض لا في السماء ، لأنّ الشيء يجوز أن ينسب إلى جميع المذكور وإن كان ملتبسا ببعضه ، كقوله : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) (٤) وإنّما يخرج من الملح. ويجوز أن يكون للملائكة مشي مع الطيران ، فيوصفون بالدّبيب كما يوصف له الإنسان ، ولا يبعد أن يكون في السموات من يمشي فيها كما يمشي الأناسيّ في الأرض». هذا كلامه (٥).
وهو لم يتعرّض فيه لتفسير قوله تعالى (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) ؛ ويفهم منه أنّه حمل الجمع على معناه الظاهر المتبادر ، أي الحشر ، إلّا أنّه كما يفهم منه في تفسير قوله «فيهما» بالتّفاسير الثّلاثة قد أرجع ضمير الجمع في قوله «جمعهم» ، إلى دوابّ الأرض وحدها على التّفسير الأوّل ، وإلى دوابّ الأرض والسماء جميعا على التّفسيرين الأخيرين ، وأنّه على كلّ تقدير ، فالجمع محمول على معنى الحشر.
ومثله كلام صاحب «الكشّاف». قال في تفسير الآية الأولى هكذا : «حشرت ، جمعت من كلّ ناحية» ، قال قتادة : يحشر كلّ شيء حتّى الذباب للقصاص. وقيل إذا قضي بينها ردّت ترابا فلا يبقى منها إلّا ما فيه سرور لبني آدم وإعجاب بصورته كالطّاوس
__________________
(١) الأنعام (٦) : ٣٨.
(٢) نفس الآية.
(٣) الشورى (٤٢) : ٢٩.
(٤) الرحمن (٥٥) : ٢٢.
(٥) جوامع الجامع / ٥٣١ ـ ١٢٥ ـ ٤٣٠.