معناهما واحد ، وأنّ معنى الفزع والصعق واحد ، هو الإماتة لا أن يكون الفزع بمعنى آخر غير الصعق ، حتّى يمكن التمسّك به في القول بوقوعه ثلاث مرات ، إن كان متمسّك القائل به ذلك.
وكيفما كان ، فنفخ اسرافيل عليهالسلام ونداؤه للخلائق بتلك الآلة مرّة للإماتة ، ومرّة للإحياء بإذن الله تعالى كما هو ظاهر النفخ في الصور لأجل ذلك ، لا امتناع فيه عقلا ، بل هو أمر ممكن في ذاته ، وحيث أخبر الشرع به ، وجب التصديق به.
وبالجملة ، لا امتناع في أن ينادي إسرافيل عليهالسلام بإذن الله تعالى للخلائق مرّة بالموت ، أي أن ينادي بتلك الآلة تارة ، لأرواحهم ، بقطع التعلّق عن الأبدان ، حتّى يموتوا بانقيادهم لذلك النداء والأمر ، أو من هول تلك الصيحة كما قال المفسّرون في قوله تعالى : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) (١) إنّه حين نزل العذاب على أهل انطاكية قوم عيسى عليهالسلام أخذ جبرئيل عليهالسلام بعضادتي باب المدينة وصاح بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم.
ومرّة بالحياة ، أي أن ينادي للأجزاء الأصليّة من أبدانهم بالاجتماع وعودها مرّة أخرى كهيئتها الأولى ، وينادي للأرواح بعودها إلى تلك الأبدان ، حتّى تحصل لهم الحياة ، كما ورد في الأخبار أنّ إسرافيل ينفخ في الصور وينادي : أيّتها العظام البالية والأوصال المنقطعة واللحوم المتمزّقة ، إنّ الله يأمركنّ أن تجتمعن لفصل القضاء.
وهذا الذي ذكرنا هو ظاهر معنى النفخ في الصّور مرّتين : مرة للإماتة ، ومرّة للإحياء.
والله تعالى وأولو العلم أعلم.
ولصدر الأفاضل رحمهالله هنا كلام لا بأس بنقله ، قال : «الإشراق الحادي عشر ، في معنى النفخ ؛ قال سبحانه : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) (٢) ولما سئل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الصّور ما هو؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : قرن من نور لنفخة إسرافيل ، فوصف بالسّعة والضيق ، واختلف في أنّ أعلاه ضيّق وأسفله واسع أو بالعكس ، ولكلّ وجه. والصّور بسكون الواو وقرئ بانفتاحها : جمع الصورة ، والنفخة نفختان : نفخة تطفئ النار ، ونفخة تشعلها. قال تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ
__________________
(١) يس (٣٦) : ٢٩.
(٢) الكهف (١٨) : ٩٩ ؛ يس (٣٦) : ٥١ ؛ الزمر (٣٩) : ٦٨ ؛ ق (٥٠) : ٢٠.