كما روي أنّه تحت الأرض السّابعة في موضع وحش يشهده الشّياطين كما يشهد ديوان الخير الملائكة.
ويحتمل أيضا أن يكون معناه أنّه من جنس الأوراق السّفلية والصّحائف الدنيّة القابلة للاحتراق.
وكذلك يؤتى ذلك الكتاب لبعض هؤلاء الفسقة والفجّار بشماله ، ووجه المناسبة ظاهر ، حيث إنّهم في مقابلة السّعداء والأبرار ، وكلّ حكمة تقتضي إعطاء كتاب السّعداء بيمينهم ، فمقابل تلك الحكمة يقتضي إعطاء كتاب هؤلاء المقابلين لهم بشمالهم ، ولبعضهم وراء الظّهر ، حيث إنّهم أوتوا الكتاب ، أي القرآن فنبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمنا قليلا ، فيعطون كتاب أعمالهم أيضا وراء ظهرهم.
وقد ذكر بعض المفسّرين : أنّه يكون يمينه مغلولة إلى عنقه ، وشماله خلف ظهره ، فيؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره. وعلى هذا المعنى فيؤتى كتابه بشماله أيضا مع زيادة خزي وهوان ، ويكون الوجه في إعطاء كتابهم إيّاهم من وراء ظهرهم هو الوجه في إعطائه إيّاهم بشمالهم. والله تعالى يعلم.
وبالجملة ، فالظّاهر أنّ الكتاب عبارة عن تلك الصّحيفة التي كتبها الكرام الكاتبون من أعمال المكلّفين ، وكلّ صغير وكبير مستطر فيه ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها ، ويكون للمؤمنين والسّعداء من جنس ، وللفسقة والفجّار من جنس آخر كما ذكر ، وأنّ لكلّ مكلّف كتابا كتب فيه أعماله ، وهذا مع كونه ممّا قد نطق به الشّرع لا مانع منه عقلا ، فيجب الإيمان به. كما أنّ الشّرع قد نطق بتطاير الكتب أيضا يوم القيامة على ما دلّ عليه أخبار صريحة في ذلك ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) (١). على ما ذكره كثير من العلماء ، بناء على أن يكون المراد بطائر الإنسان كتاب عمله الذي يطير ، وبإلزامه في عنقه تعليقه عليه. ولا مانع منه أيضا عقلا فيجب الإيمان به. وإن كان جمع من مفسّري الخاصّة والعامّة فسّروا الطّائر بالعمل وما قدّر للعبد من الخير
__________________
(١) الإسراء (١٧) : ١٣.