ذكرها ، فلا شكّ أنّه يكون دائما بدوام تلك العلوم والملكات لأنّها لازمة لها (١) وصورة لها غير منفكّة عنها ، ويكون وجه الحكمة في دوامه أيضا ظاهرا لا سترة به.
ولو كان الثواب عبارة عن أمر مبتدئ من خارج وارد على المحسن روحه وبدنه كما هو ظاهر كثير من الآيات والأخبار الأخر ، فكذلك أيضا ، لأنّه حيث كان الثواب في مقابلة تلك الاعتقادات والملكات التي هي دائمة بدوام النفس باقية ببقائها ، وجب في الحكمة المتعالية الإلهيّة أن يكون هو أيضا دائما كدوام ما هو بإزائه ؛ لأنّ السبب إذا كان دائميّا وجب أن يكون مسبّبه أيضا دائميّا مثله ، ولأنّه لو لم يكن كذلك لزم الظلم ، تعالى الله عن ذلك. وأيضا أنّ ذلك إيفاء بوعده ، وخلف الوعد عليه تعالى قبيح عقلا وشرعا.
ويدلّ على ما ذكرنا آيات كثيرة ، كقوله تعالى :
(إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٢).
وكقوله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٣).
وكقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ* دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤).
وكقوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٥).
__________________
(١) لأنّه لازم ، خ ل.
(٢) التوبة (٩) : ١١١.
(٣) النساء (٤) : ١٠٠.
(٤) يونس (١٠) : ٩ ـ ١٠.
(٥) يونس (١٠) : ٢٦.