إلى غير ذلك من الآيات والأخبار.
والحاصل ، أنّه لمّا كان إيمان المؤمنين الرّاسخ في قلوبهم دائميّا وكذا ملكاتهم الفاضلة دائميّة ، وجب أن يكون الثّواب الذي هو بإزاء ذلك دائميّا مثله ، وأنّهم حيث كان في نيّاتهم الراسخة في قلوبهم ، أنّهم لو أبقوا دائما لبقوا على الإيمان والعمل الصالح دائما ، كان مقتضى الحكمة المتعالية إيصال الثواب إليهم دائما.
وحيث علمت ذلك ، فاعلم أنّ السبب في خلود أهل النار في النار ودوام عذابهم فيها إنّما هو دوام سبب ذلك أيضا ، حيث إنّ ما اكتسبوه في الدّنيا بسوء اختيارهم من جهة قوّتهم النظريّة من الآراء الفاسدة والعقائد الباطلة الراسخة في نفوسهم ، المستحكمة في قلوبهم ، كالشرك والكفر بالله وباليوم الآخر وبرسله وملائكته وكتبه ، سواء كانت تلك الاعتقادات الراسخة بمحض العناد والجحود مع يقينهم بخلافها كما هو في حقّ بعضهم ، أو مستندة إلى تقليد آبائهم وأسلافهم وعلمائهم كما في حقّ بعض آخرين منهم ، أو مستندة إلى ظنّ أو شبهة كما في بعض منهم. وكذا من جهة قوّتهم العمليّة من الملكات الرذيلة والهيئات الرديّة والأخلاق القبيحة الذميمة ، مع تفاوت مراتبها فيهم أيضا ، كما أنّها سبب لدخولهم في النار وحصول العقاب لهم على ما دلّت عليه الآيات والأخبار ، كذلك هي لخلودها ودوامها سبب لخلودهم في النّار ودوام عذابهم وعقابهم ، كما دلّت عليه الآيات والأخبار أيضا ، لأنّ دوام السبب يستلزم دوام المسبّب.
أمّا دوام تلك العقائد والآراء الباطلة ، فبيانه أنّها لمّا كانت حاصلة للنفس بذاتها ومن داخل جوهرها ، كأنّها صورة لها وكانت راسخة فيها ، فهي لا تكون زائلة عنها بل تكون باقية ببقائها.
وأمّا دوام تلك الملكات والهيئات الرّذيلة ، فبيانه أنّها وإن كانت حاصلة للنفس من خارج ، أي من جهة تكرّر الأفاعيل البدنيّة ، ومن شأنها أن تكون زائلة بزوال مبدئها القريب وهو البدن وأفاعيله ، وكذا بمرور الدّهور إذا لم يكن يصل إليها مدد من جهة ، إلّا أنّها لمّا كانت ملائمة لتلك العقائد التي رسخت في نفوسهم وتدرّنت هي بها مرتبطة بها كمال الارتباط ، فلا تكون نفوسهم الخسيسة هذه مستعدّة لزوالها عنها ، بل مستعدة