لاستثباتها فيها وقيامها بها وبقائها معها ما دامت تلك النفوس باقية ، فلذا تكون دائمة خالدة كدوام عقائدهم وآرائهم الباطلة.
نعم ، لو كانت النّفس مستعدّة لزوالها عنها كنفوس الفسّاق من المؤمنين الذين رسخت في نفوسهم الآراء الحقّة والعقائد الدّينيّة ، ومع ذلك اكتسبوا الأخلاق الذميمة وفعلوا الأفعال القبيحة ، حيث إنّها غريبة عن جواهر نفوسهم لعدم مناسبة تلك الملكات بتلك العقائد وعدم ارتباط بينهما ، لربّما أمكن زوالها عنها. بمرّ الدهور ، وكذا بالتّصفية بمصقل العذاب والعقاب ، فلذا ورد في الشرع الشّريف ما يدلّ على عدم خلود الفسّاق من المؤمنين الموحّدين في النار والعذاب ، وعلى خروجهم منها ودخولهم في الجنّة ، وحكم به معظم المسلمين ؛ لأنّه إذا زالت تلك الهيئة التي هي سبب للعذاب ، ومع ذلك كانت عقائدهم الحقّة التي هي راسخة في نفوسهم ـ وهي سبب للدخول في الجنّة ـ باقية ، فلا يبقى شكّ في أنّهم يكونون بعد الدخول في النّار خارجين عنها إلى الجنّة ، لكن على تفاوت مراتبهم وأحوالهم في ذلك ، بخلاف ما إذا لم تزل تلك الهيئة عن النفس ، كما في نفوس الكفّار الذين ليس في نفوسهم استعداد لزوالها عنها ، وليس هناك سبب يزيلها عنها ، فإنّهم خالدون في النار وفي عذابها من جهتين : إحداهما من جهة العقائد الباطلة المستحكمة في نفوسهم ، والأخرى من جهة تلك الملكات والهيئات الراسخة في قلوبهم ، وإن كان يختلف أحوالهم في العذاب باختلاف مراتبهم في تلك العقائد والملكات والهيئات والأفعال.
وبالجملة ، فحيث كان في نيّاتهم الراسخة في قلوبهم أنّهم لو بقوا إلى غير النهاية لبقوا على الشرك والكفر والعمل غير الصالح إلى غير النهاية ، كانوا خالدين في النار ، وكان عذابهم فيها إلى غير النهاية.
وهذا الذي ذكرنا إنّما هو بيان السبب في الخلود.
وأمّا بيان الحكمة فيه ، فهو أنّا لو قلنا بأنّ العذاب هو صورة تلك العقائد والهيئات التي تصوّرت بتلك الصور كما هو على القول بتجسيم الأعمال والعقائد ، فالحكمة في أصل العذاب وكذا في خلوده ظاهرة ، حيث إنّ العذاب هو لازم لها غير منفكّ عنها ، بل هو نفس