التناسخ عندنا يتصوّر على ثلاثة أنحاء :
أحدها ـ انتقال نفس من بدن إلى بدن مباين له ، منفصل عنه في هذه النشأة ، بأن يموت حيوان وينتقل نفسه إلى حيوان آخر أو غير الحيوان ، سواء كان من الأخسّ إلى الأشرف أو بالعكس ، وهذا مستحيل بالبرهان لما سنذكره.
وثانيها ـ انتقال النفس من هذا البدن إلى بدن آخر ، وهو مناسب لصفاتها وأخلاقها المكتسبة في الدنيا ، فتظهر في الآخرة بصورة ما غلبت عليها صفاتها ، كما سينكشف لك عند إثبات المعاد الجسمانيّ ، وهذا أمر محقّق عند أئمّة الكشف والشهود ، ثابت منقول من أهل الشرائع والملل ، ولهذا قيل : «ما من مذهب وإلّا وللتناسخ فيه قدم راسخ» وعليه يحمل ما ورد في القرآن من آيات كثيرة في هذا الباب. وظنّي أنّ ما نقل عن أساطين الحكمة كأفلاطون ومن سبقه من الحكماء الذين كانوا مقتبسين أنوار الحكمة من مشكاة نبوّة الأنبياء سلام الله عليهم أجمعين ، من إصرارهم على مذهب التناسخ هو بهذا المعنى ، لما شاهدوا ببصائرهم بواطن النفوس والصور التي يحشرون عليها على حسب نيّاتهم (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) (١) وشاهدوا أيضا كيف تحصل في الدنيا للنفوس ملكات نفسانيّة لتكرّر أعمال جسمانيّة تناسبها ، حتّى تصدر عنها الأعمال من جهة تلك الملكات بسهولة ، صرّحوا القول بالتناسخ ، ومعناه حشر النفوس على صور صفاتهم الغالبة وأعمالهم ، كقوله تعالى : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) (٢) أي على صور الحيوانات المنتكسة الرءوس ، وقوله : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) (٣) وقوله : (تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٤) وقوله : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) (٥) وقوله : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٦) وفي الحديث عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم :
__________________
(١) الكهف (١٨) : ٤٩.
(٢) الإسراء (١٧) : ٩٧.
(٣) التكوير (٨١) : ٥.
(٤) النور (٢٤) : ٢٤.
(٥) فصّلت (٤١) : ٢١.
(٦) يس (٤١) : ٦٥.