والجاهلة في المعاد بهذه العبارة :
تنبيه. وأمّا البله ، فإنّهم إذا تنزّهوا خلصوا من البدن إلى سعادة تليق بهم ، ولعلّهم لا يستغنون فيها عن معاونة جسم يكون موضوعا لتخيّلات لهم ، ولا يمتنع أن يكون ذلك جسما سماويّا أو ما يشبهه ، ولعلّ ذلك يفضي بهم آخر الأمر إلى الاستعداد للاتصال المعدّ الذي للعارفين. امّا التناسخ في أجسام من جنس ما كانت فيه فمستحيل ، وإلّا لاقتضى كلّ مزاج نفسا تفيض إليه وقارنتها النفس المستنسخة فكان لحيوان واحد نفسان. ثمّ ليس يجب أن يتّصل كلّ فناء بكون ، ولا أن يكون عدد الكائنات من الأجسام عدد ما يفارقها من النفوس ، ولا أن يكون عدّة نفوس مفارقة تستحقّ بدنا واحدا فتتّصل به أو تتدافع عنه متمانعة. ثمّ ابسط هذا واستغن بما تجده في مواضع اخر لنا» (١) انتهى كلامه.
وقال المحقّق الطوسيّ رحمهالله في شرح قوله : «وأمّا البله .. إلى قوله للعارفين» هكذا :
«لمّا فرغ عن بيان أحوال النفوس الكاملة والمستعدّة للكمال والجاهلة في المعاد. أراد أن يبيّن حال النفوس الخالية عن الكمال وعمّا يضادّه ، وهي نفوس البله في هذا الفصل. واعلم أنّ من القدماء من زعم أنّها تفنى ، لأنّ النفس إنّما تبقى بالصور المرتسمة فيها ، فالخالية عنها معطّلة ، ولا معطّل في الوجود ، ولكنّ الدلائل الدالّة على بقاء النفوس الناطقة تقتضى نقض هذا المذهب. ثمّ القائلون ببقائها قالوا : إنّها تبقى غير متأذّية لخلوّها عن أسباب التأذّي والخلاص فوق الشقاء ، فإذن هي في سعة من رحمة الله تعالى.
ويوافق هذا المذهب ما ورد في الخبر ، وهو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أكثر أهل الجنّة البله» ثمّ إنّها لا يجوز أن تكون معطّلة عن الإدراك ، وكانت ممّا لا يدرك إلّا بآلات جسمانيّة ، فذهب بعضهم إلى أنّها تتعلّق بأجسام اخر ، ولا يخلو إمّا أن لا تصير مبادي صورة لها وهذا ما ذكره الشيخ ومال إليه ، أو تصير فتكون نفوسا لها ، وهذا هو القول بالتناسخ الذي سيبطله الشيخ.
أمّا مذهب الأوّل فقد أشار إليه الشيخ في كتاب «المبدأ والمعاد» وذكر أنّ بعض أهل
__________________
(١) شرح الإشارات ، ٣ / ٣٥٦ ـ ٣٥٥ ط طهران.