هو كذلك ، والألم هو إدراك ونيل لوصول ما هو عند المدرك آفة وشرّ». (١)
وقد قال المحقّق الطوسيّ في شرحه : «أمّا الإدراك فقد مرّ شرح اسمه ، وأمّا النيل فهو الإصابة والوجدان. وإنّما لم يقتصر على الإدراك ، لأنّ إدراك الشيء قد يكون بحصول صورة تساويه ، ونيله لا يكون إلّا بحصول ذاته ، واللذّة لا تتمّ بحصول ما يساوى اللذيذ ، بل إنّما تتمّ بحصول ذاته. وإنّما لم يقتصر على النيل لأنّه لا يدلّ على الإدراك إلّا بالمجاز. وإنّما أوردهما معا لفقدان لفظ يدلّ على المعنى المقصود بالمطابقة ، فقدّم الأعمّ الدالّ بالحقيقة وأردفه بالمخصّص الدالّ بالمجاز.
وإنّما قال «لوصول ما هو عند المدرك» ولم يقل «لما هو عند المدرك» لأنّ اللذّة ليست هي إدراك اللذيذ ، فقط بل هي إدراك حصول اللذيذ عند الملتذّ ووصوله إليه.
وإنّما قال : «ما هو عند المدرك كمال وخير» لأنّ الشيء قد يكون كمالا وخيرا بالقياس إلى شيء وهو لا يعتقد كماليّته وخيريّته فلا يلتذّ به ، وقد لا يكون كذلك وهو يعتقده فيلتذّ به ، فالمعتبر كماليّته وخيريّته عند المدرك لا في نفس الأمر ، والكمال والخير هنا ـ أعني المقيسين إلى الغير ـ هما حصول شيء لما من شأنه أن يكون ذلك الشيء له ، أي حصول شيء يناسب شيئا ويصلح له ، أو يليق به بالقياس إلى ذلك الشيء.
والفرق بينهما أنّ ذلك الحصول يقتضي لا محالة براءة من القوة لذلك الشيء ، فهو بذلك الاعتبار فقط كمال ، وباعتبار كونه مؤثّرا خير ؛ والشيخ إنّما ذكرهما لتعلّق معنى اللذّة بهما ، وأخّر ذكر الخير لأنّه يفيد تخصيصا ما بذلك المعنى. وإنّما قال : «من حيث هو كذلك» لأنّ الشيء قد يكون كمالا وخيرا من جهة دون جهة ، والالتذاذ به يختص بالجهة التي هو معها كمال وخير.
فهذه ماهيّة اللذّة ، ويقابلها ماهيّة الألم كما ذكره. وهما أقرب إلى التحصيل من قولهم: «اللذّة إدراك الملائم ، والألم إدراك المنافي». ولذلك عدل الشيخ منه إلى ما ذكره في هذا الموضع (٢) ، انتهى كلامه.
__________________
(١) شرح الإشارات ٣ / ٣٣٧.
(٢) شرح الإشارات ٣ / ٣٣٧ ـ ٣٣٩.