وأنت بعد ما أحطت بما ذكره المحقّق الطوسيّ (ره) في شرحه ، يظهر لك بيان تقارب ما ذكره الشيخ في الكتابين في المعنى المحصّل لماهيّة اللذّة والألم ، وإن كان بين ما في الكتابين تغاير ما في بعض العبارات ، ومن جملته أنّه أطلق في «الشفاء» لفظ الخير على اللذّة ، وفي «الإشارات» على الكمال ، والأمر فيه سهل.
وأما ما ذكره في الأصل الثاني ، فهو تنبيه على أنّ مراتب اللذّات ، وكذا مراتب الآلام مختلفة متفاوتة باعتبار تفاوت الكمالات التي حصولها لذّة وفقدانها ألم ، فبعضها أفضل وأتمّ ، وبعضها أكثر ، وبعضها أدوم ، وبعضها أوصل ، وبعضها أكمل ، وبعضها أشدّ ، إلى غير ذلك من وجوه التفاوت والاختلاف التي كلّها بيّنة لا سترة فيها.
وما ذكره في الأصل الثالث هو بالحقيقة تفريع على ما ذكره في الأصل الأوّل ، من التقييد بالشعور بالموافقة والتقييد بحصول الكمال ، وتنبيه على فائدة القيدين في تعريف اللذّة ، ويعلم منه فائدتهما في تعريف الألم بالمقايسة وتنبيه على أنّه قد يكون الخروج إلى الفعل في كمال بحيث يعلم أنّه كائن ولذيذ ، لكن لا يتصوّر كيفيّته ولا يشعر بالتذاذه ما لم يحصل ، وما لم يشعر به لم يشتق إليه ولم ينزع نحوه ، كما في العنّين بالنسبة إلى لذّة الجماع ، والأكمه عند الصور الجميلة ، والأصمّ عند الألحان المنتظمة ، فإنّه وإن كان يتيقّن أنّ في هذه الأمور لذّة ، إلّا أنّ هؤلاء لا يلتذّون بها لأجل عدم شعورهم بها وعدم حصولها لهم.
ومنه يعلم أنّ الوجه في أنّا لا نلتذّ بالصحّة والسلامة مع كونهما كمالا حاصلا لنا ، أنّ الشعور بحصول الكمال الذي هو المعتبر في حصول اللذّة غير حاصل هناك ، حيث استمرار المحسوسات يذهل النفس عن إحساسها. وبالجملة ، فسواء انتفى الشعور والحصول جميعا ـ كما في الصور الأوّلة ـ أو انتفى الشعور فقط كما في الصورة الأخيرة ينتفي اللذّة ، فلذا قيّد في مفهوم اللذّة قيد الحصول والشعور.
ومنه يعلم وجه التقييد بضدّ ذلك في مفهوم الألم أيضا ، فإنّ صاحب الحميّة مثلا إذا لم يقاس وصب (أي المرض) الأسقام ولم يعرضه آفاتها ، ربّما يتألّم عن تناول المتناولات الرديّة ولم يحترز عنه لعدم شعوره بها مع العلم بكونها مؤلمة. ومن ذلك يظهر