وبعبارة أخرى كما ذكره في «الإشارات» أنّ الكمال الخاص بالجوهر العاقل من الإنسان أن يتمثّل فيه جلية الحقّ الأوّل قدر ما يمكنه أن ينال منه ببهائه الذي يخصّه ، ثمّ يمثل فيه الوجود كلّه على ما هو عليه ، مجرّدا عن الشوب مبتدئا فيه بعد الحقّ الأوّل بالجواهر العقليّة العالية ، ثمّ الروحانيّة السماويّة والأجرام السماويّة ، ثمّ ما بعد بذلك تمثّلا لا يمايز الذات ، وحيث كان كمالها الخاصّ بها ما ذكر ، يكون شعورها به هو لذّتها العقليّة ، والشعور بضدّه ألمها العقليّ.
وبيان الثاني أنّه لا سترة في أنّه إذا قيس هذا الكمال الخاصّ بها بالكمالات المعشوقة التي للقوى الأخرى الحسّيّة ، كتكيّف العضو الذائق والشامّ واللامس مثلا بالكيفيّة الملائمة المحسوسة الذي هو كمال القوة الشهوانيّة ، وكتكيّف النفس الحيوانيّة بكيفيّة غلبة أو كيفية شعور بأذى يحصل في المغضوب عليه الذي هو كمال القوة الغضبيّة ، وكتكيّفها بكيفيّة ما ترجوه أو ما تذكره الذي (١) الأوّل منهما كمال القوة الواهمة ، والثاني كمال القوة الحافظة ، إلى غير ذلك من الكمالات بالقياس إلى سائر القوى الحسّيّة الجسمانيّة ، كان هذا الكمال الخاصّ بالنسبة إلى تلك الكمالات بحيث يصحّ أن يقال أنّه أفضل وأتمّ منها من جميع الوجوه ، وأقوى كيفيّة وأكثر كمّيّة من جميع الجهات والاعتبارات ، بل لا نسبة له إليها بوجه من الوجوه فضيلة وتماما وكثرة ، وسائر ما يتمّ بدوام إلذاذ المدركات كما ذكرناه في الأصل الثاني.
وأمّا الدوام فكيف يقاس الدوام الأبديّ الحاصل في الكمال العقليّ بدوام المتغيّر الفاسد الحاصل في الكمالات الأخر. وأمّا شدة الوصول فكيف يكون حال ما وصوله بملاقاة السطوح كما في كمال القوى الحسّيّة ـ حيث أنّ الحسّ لا يدرك إلّا كيفيّات تقوم بسطوح الأجسام التي تحضره ـ بالقياس إلى ما هو سار في جوهر قابله كما في الكمال العقليّ ـ حيث أنّ العقل يصل إلى كنه المعقول فيعقل حقيقته المكتنفة بعوارضها كما هي ، وليرى في جوهر معقوله حتّى يكون كأنّه هو بلا انفصال ، إذ العاقل والمعقول شيء واحد
__________________
(١) «اللّذين» خ ل.