جنس اللذّة الحسّيّة والحيوانيّة بوجه ، بل لذّة تشاكل الحال الطيّبة التي هي للجواهر الحيّة المحضة والملائكة المقرّبين ، وهي أجلّ من كلّ لذّة وأشرف. فهذه هي السعادة الحقيقيّة العقليّة ، وتلك هي الشقاوة الحقيقيّة العقليّة.
وقوله : «وتلك الشقاوة ليست تكون لكلّ واحد من الناقصين الخ» غرضه منه أنّ تلك الشقاوة ليست تكون لكلّ واحد من الناقصين ، بل لبعضهم ، وأنّها فيمن تكون له مختلفة المراتب أيضا.
وبيانه أنّ تلك الشقاوة التي ذكر أنّها تكون بفقدان النفس لكمالها الخاصّ بها الذي هو معشوق لها ، ليست لكلّ واحد من الناقصين غير الكاملين ، بل للناقصين الذين اكتسبوا في ضمن البدن ، للقوّة العقليّة التشوّق إلى كمالها ، ثمّ حرموا من ذلك الكمال ، وذلك الاكتساب للتشوّق أو التشوّق هو عند ما تبرهن لهم وتحقّق عندهم أن من شأن النفس إدراك ماهيّة الكلّ ، أي كلّ الموجودات بكسب المجهول من المعلوم والاستكمال بالفعل ، فإنّ ذلك الاكتساب للتشوّق أو التشوّق ليس في النفس من حيث هي نفس بالطبع الأوّل ، وإلّا لكانت كلّ نفس مكتسبة لذلك متشوّقة إليه ، وهو خلاف الواقع ، حيث إنّ بعض النفوس الناقصة نفوس ساذجة صرفة ، لم تكتسب تشوّقا أصلا. كما أنّ كسب المجهول من المعلوم والاستكمال بالفعل ليس فيها بالطبع الأوّل أيضا ، وهو ظاهر ؛ ولا أيضا ذلك الاكتساب للتشوّق أو التشوّق في سائر قوى النفس بالطبع الأوّل ، حتّى يكون كونه فيها بالطبع سببا لتشوّق النفس إلى كمالها الخاصّ بها من دون اكتساب لذلك ، لأنّ تشوّق تلك القوى إلى كمالاتها وشعورها بها إنّما يكون أيضا بعد حصول أسباب ذلك التشوّق والشعور لا بالطبع ، مع أنّ تشوّقها إلى كمالاتها كيف يكون سببا لتشوّق النفس إلى كمالها ، والحال أنّ كمالاتها مخالفة لكمال النفس وليس بينهما رباط ليكون التشوّق إلى أحدهما سببا لحصول التشوّق بالآخر.
فظهر من هذا أنّ الاكتساب للتشوّق أو التشوّق إنّما يكون للنفس التي كانت في ضمن البدن في مرتبة العقل بالملكة بالنسبة إلى كمالها المعشوق لها ، وإن كانت بالنسبة إلى غير ذلك الكمال في المراتب الأخر. وأمّا النفوس والقوى الناقصة الساذجة الصرفة التي