الشوق الذي لها إلى كمال المعشوق لها ، علميّا كان ـ وهو العلم بحقائق الموجودات كما هي ـ أم عمليّا ـ وهو ملكة التوسّط ـ فتشعر بها. وبأيّ قدر يبقى من تلك الملكة مع النفس تكون محجوبة النسبة والشبه عن الاتّصال الصرف بمحلّ سعادتها ، لأنّ ذلك الاتّصال بمحلّ سعادتها ـ أي سعادتها العلميّة والعمليّة ـ موقوف على أن لا يبقى فيها من الآثار البدنيّة الشاغلة لها عنه شيء ، والمفروض أنّه قد بقي. أو المعنى أنّه بسبب النقصان من تلك الملكة تزول غفلتها عن حركة الشوق الذي لها إلى كمالها ، وبسبب بقائها في الجملة تكون محجوبة النسبة عن ذلك الاتّصال ، والحاصل أنّه حينئذ يحصل للنفس شعور وشوق إلى كمالها المعشوق لها مع كونها محجوبة عنه ، فيحدث هناك من الحركات المتشوّقة ما يعظم أذاها ، حيث إنّ الحركة إلى معشوق ما مع حصول مانع عن نيله أذى وألم ، وإن كان يختلف حاله بحسب اختلاف مراتب تلك الحركات الشوقيّة ومراتب تلك الموانع.
ثمّ إنّ نفس تلك الهيئة البدنيّة المنطبعة في النفس ، حيث إنّها هيئة غريبة عن جوهر النفس بمنزلة الرّين والدرن لها ، مضادّة بنفسها لجوهر النفس أيضا ، موذية لها دائما ، كان يلهيها عنها وعن مضادّتها وإيلامها أيضا البدن وتمام انغماسها فيه ، فإذا فارقت عنه وارتفع الشاغل ، أحسّت بتلك المضادّة العظيمة وتأذّت بها أذى عظيما ، فيحصل لها حينئذ الأذى والألم من وجهين : أحدهما ، من جهة تلك الحركات المتشوّقة ، والآخر من جهة تلك الهيئة نفسها ، فيتضاعف الأذى والألم. لكنّ هذا الأذى والألم ، ليس لأمر لازم للنفس الناطقة كما في صورة نقصانها من جهة قوّتها النظريّة ، بل لأمر عظيم غريب عن حقيقتها ، والأمر العارض الغريب لا يدوم ولا يبقى ، بل يزول ويبطل مع زوال الأفعال التي كانت تثبت تلك الهيئة الغريبة البدنيّة بتكرّرها ، أي الأفعال التي كان مبدؤها قوّة القوى الحيوانيّة واستعلاءها على النفس الناطقة ، وكان تكرّر تلك الافعال منشئا لثبوت تلك الهيئة وانطباعها في النفس ، وقد زالت تلك الأفعال بمفارقة النفس عن البدن ، وكذا زال مبدؤها ومنشؤها ، وأفضى زوالها إلى زوال تلك الهيئة المسبّبة عنها ، مع كون النفس بجوهرها وحقيقتها تقتضي زوال تلك الهيئة عنها لكونها غريبة عنها مضادّة لها.
وبالجملة ، فالمبدأ الفاعليّ لتلك الهيئة قد زال ، والقابل لها أي النفس مستعدّة لزوالها