عنها استعدادا تامّا ، فكلّما تأمّلت منها قرب استعدادها لزوالها عنها ، فلهذا تزول وتنمحي شيئا فشيئا بحسب مراتب استعدادها لزوالها عنها ، فيلزم إذن أن يكون العقوبة التي بحسب حصول الهيئة الغريبة غير خالدة ، بل قد تزول وتنمحي قليلا قليلا بحسب انمحاء تلك الهيئة شيئا فشيئا. حتّى تزكو النفس عن تلك الهيئة وتصفو بمصفاة العقوبة وتنجلي بمصقل الألم والأذى ، وتبلغ حينئذ السعادة التي تخصّها من السعادة العلميّة إن كانت لها ، وكذا السعادة العمليّة الحاصلة لها بالنسبة إلى هيئة وملكة أخرى من ملكات التوسّط إن كانت أيضا لها. وهذا حال تلك الهيئة البدنيّة الغريبة إذا كانت ملكة راسخة.
ومنه يعلم حالها ، إذا لم تكن راسخة أيضا ، فإنّها تزول بالطريق الأولى.
وبالجملة ، فتلك الهيئات الردّية البدنيّة ، سواء كانت مستحكمة أو غير مستحكمة ، وكلّها إنّما تكون بسبب غواش غريبة ، فجميعها يمكن أن تزول بعد الموت ، إمّا لعدم رسوخها ، وإمّا لكونها هيئات مستفادة من الأفعال والأمزجة ، فتزول بزوالها. وإن كانت تختلف في شدة الرداءة وضعفها ، وفي سرعة الزوال وبطئه ، وفي كونها بالنسبة إلى كلّ الأعمال والأفعال أو بعضها ، ويختلف التعذّب بها بعد الموت في الكمّ والكيف بحسب ذلك الاختلاف.
وبما ذكر يظهر سرّ ما ورد في الأخبار من أنّ المؤمن الفاسق لا يخلد في النار. ووجه ما اتّفق عليه أهل الحقّ من أنّ عذاب صاحب الكبيرة منقطع.
ثمّ إنّ هذا الذي ذكر إنّما هو بيان حال فساد الجزء العمليّ والشقاوة بحسبه ، إذا كان ذلك بحسب طروء حالة رديّة غريبة على النفس ، بعد أن كانت في قوّتها القريبة تحصيل ملكة التوسّط ، ولم تحصّلها ، بل فرّطت وقصّرت في تحصيلها وحصّلت ملكة الإفراط والتفريط.
ومنه يعلم بيان حاله ، إذا كان من جهة نقصان الغريزة أيضا بحسب الجزء العمليّ ، أي إذا كان عدم تحصيل ملكة التوسّط ، لا لأجل أنّها فرّطت فيها وقصّرت ، بل لأجل أنّه كانت غريزتها بحسب الجزء العمليّ ناقصة عن تحصيلها ، بعد أن كانت من شأنها إمكان تحصيلها في الجملة ولو بعيدا ، وأنّها بسبب ذلك النقصان في الغريزة ، كما لم تحصّل ملكة