كافية في عروضها ، لما عرفت من أنّ عروض تلك الصفة لها ليس لخصوصيّة في ذلك الموضوع ، فليس عروض تلك العوارض لاستعداد حاصل في ذات المعروض ، وإنّما هو من جهة الاستعداد الحاصل في الواسطة التي هي أعمّ أو أخصّ من الموضوع ، وحيث لم يكن لخصوصية تلك الذات استعداد للعروض لم يكن العرض ذاتيّا بالنسبة إليها حسب ما مرّ من التحقيق في معناه ، وليس تهيؤها لعروض المعروض باعثا على التهيؤ لعروض ما يعرضه ، إذ مع العموم يكون التهيؤ في الأعمّ ، ومع الخصوص لا تكون متهيّئا له إلّا بعد تخصيصها بما يجعلها مستعدّا لذلك ، فلا استعداد لنفس الذات ، وهذا بخلاف ما لو كانت الواسطة مساوية للمعروض على ما مرّ.
إذا تقرّر ذلك فقد ظهر اندفاع الإيرادين ، فإنّ ما ذكر من كون تلك الأعراض لاحقة بتوسّط الأعمّ أو الأخصّ لا ينافي كونها أعراضا ذاتية بالنسبة إلى الموضوع ؛ لكون الواسطة فيها واسطة في الثبوت ، فتلك العوارض تكون لاحقة لذات الموضوع بتوسّط تلك الامور فصولا كانت أو عوارض ، ألا ترى أنّ الرفع العارض للفاعل عارض لذات الكلمة وإن كان بتوسّط الفاعلية في ثبوته ، وكذا نصب المفعول وسائر عوارض الكلمات بسبب ما يعرض لها من الخصوصيات ، وكذا الحال في عروض الحركة بالإرادة للجسم في ضمن الحيوان فإنّها من الأعراض الذاتية للجسم ، وإن كان المبدأ لعروضها هو الإرادة التي هي أخصّ منه ، وهي من العوارض الذاتية للحيوان ، فالحركة المفروضة من العوارض الذاتية للجسم ، والواسطة فيها من الأعراض الذاتية للحيوان الغريبة بالنسبة إلى الجسم.
فقد ظهر بما ذكرنا أنّ كون الموضوع في المسائل هو جزئيات موضوع الفنّ من الأنواع أو الأصناف المندرجة تحته لا ينافي كون الأعراض المذكورة أعراضا ذاتيّة بالنسبة إلى موضوع الفنّ ، وكذا الحال فيما ذكروه من كون الموضوع في المسائل هو أجزاء الموضوع أو عوارضه الذاتية ، فإنّهم يعنون بهما الأجزاء والعوارض المساوية ، وقد عرفت أنّ الأعراض اللاحقة لهما من العوارض الذاتية للموضوع. فتأمّل.