إذن من الاستعمال فيه كون ذلك هو الموضوع له ، فتعيين الموضوع له بالاستعمال بعد العلم به إجمالا غير إثبات الموضوع له مع عدم العلم بتعدّد الوضع لا إجمالا ولا تفصيلا كما هو المفروض في المقام ، فيكون ظاهر الاستعمال هناك شاهدا على تعيين الموضوع له بعد تحقّق حصول الوضع ، وأين ذلك من إثبات أصل الوضع به مع قضاء الأصل عدمه؟
ودعوى ظهور عدم خروج المستعمل عن مقتضى الوضع لو سلّم حصوله فليس بمثابة يمكن أن يخالف الأصل من جهته ويحكم بحدوث حادث جديد لأجله ، مع ما في الاشتراك من مخالفة الظاهر لوجوه شتى.
نعم ، لو علمنا تعدّد الموضوع له إجمالا في خصوص بعض الألفاظ ووجدناه مستعملا في معنيين لا غير أمكن إثبات تعلّق الوضع بهما واشتراكه بينهما ، نظرا إلى ما ذكرناه فيثبت بذلك وضعه لهما ، وليس في كلام الجماعة ما ينافي ذلك فهو الموافق لما ذكرناه دون ما هو المفروض في محلّ البحث.
ثمّ إن دعوى قلّة المؤن في الاشتراك ممنوعة ، بل الظاهر العكس ؛ لافتقاره إلى وضع ثان وملاحظة له حال الاستعمال وقرينتين بالنظر إلى استعماله في كلّ من المعنيين ، بخلاف المجاز ؛ إذ لا يفتقر إلّا إلى ملاحظة العلاقة المسوّغة للاستعمال وقرينة مفهمة له ، إذ الغالب اتّحاد القرينة الصارفة والمعيّنة ، وأمّا الوضع الترخيصي والعلاقة فالمفروض (١) حصولهما على كلّ حال.
مضافا إلى ما في الاشتراك من الإخلال بالتفاهم الذي هو الحكمة في الوضع ، بخلاف المجاز.
وما ذكر من استناد أهل اللغة في إثبات تعدّد الأوضاع إلى مجرّد الاستعمالات الواردة عن العرب غير ظاهر.
وما يتراءى من استنادهم إلى بعض الإطلاقات لا يفيد تعويلهم على مجرّد
__________________
(١) إذ بعد وجود العلاقة المصحّحة للتجوّز يجوز استعماله فيه مجازا بملاحظة علاقته للمعنى الآخر ، سواء قلنا بثبوت وضعه له ليجوز استعماله فيه على سبيل الحقيقة أيضا أولا. (منه رحمهالله).