الشرع في الآية الشريفة (١) ، وكذا في الأخبار المأثورة. والظاهر أنّ المراد به مجرّد العلم بالأحكام الشرعيّة ، فاستعماله في الآية فيما عدا المعنى اللغوي غير معلوم ، وكذا في عدّة من الأخبار المسوقة سوق الآية. إلّا أنّ الظاهر شيوع إطلاقه على خصوص المعرفة بالأحكام الشرعية بعد شيوع الإسلام في أعصار الأئمّة عليهمالسلام ، غير أنّ استعماله في خصوص المعنى المشهور غير معلوم ، فقد يكون المراد به مطلق المعرفة بالأحكام الشرعية ، سواء كانت بطريق النظر أو الضرورة على وجه السماع من المعصوم أو غيره على سبيل الاجتهاد أو التقليد ، كما في قوله عليهالسلام : «الفقه ثمّ المتجر» (٢) فإنّ الظاهر أنّ المراد به معرفة أحكام التجارة ولو بطريق التقليد ، حتّى أنّ إطلاقه على علومهم عليهمالسلام بالمسائل الفقهيّة غير بعيد. وإطلاق «الفقيه» على الكاظم عليهالسلام معروف في كلام الرواة.
وكان يطلق أيضا في الصدر الأوّل على علم الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال ومصلحاتها وقوّة الإحاطة بحقارة الدنيا وشدّة التطلّع على نعيم الآخرة واستيلاء الخوف على القلب ، نصّ على ذلك بعض أفاضل المتأخّرين (٣) وقال : إنّ اسم الفقه في العصر الأوّل إنّما كان يطلق على ذلك ، وجعل آية التفقّه شاهدة عليه.
ويظهر من كلام بعض المحدّثين كون المعنى الأوّل من المعاني الشرعيّة ؛ ولذا ناقش في المقام في إخراج الضروريّات عن الفقه بالمعنى المذكور قائلا : بأنّ الإجماع على بعض الأحكام من فرق الإسلام كلّها لا يخرجها عن كونها مسألة فقهيّة بحسب إطلاق الشرع ، ألا ترى أنّ كثيرا من الفرعيّات ممّا قد انعقد إجماع المسلمين عليها مع أنّها دوّنت في الكتب ، وذكروا مدارك أحكامها. ونصّ بأنّ الفقهاء لم يزعموا أنّ هذا الإصطلاح اخترعوه من عند أنفسهم ، بل قالوا :
__________________
(١) وهي قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ...) التوبة : ١٢٢. اثبتناه من المطبوع [١].
(٢) الوسائل ١٢ : ٢٨٢ ، الباب ٤ من أبواب آداب التجارة ، ح ١.
(٣) الظاهر أنّ هذا من كلام الغزالي (منه رحمهالله).